جار التحميل ...

الجزائر: بعد تمديد عطلة الأمومة، مطالب نسوية لإصلاحات أعمق


الصورة: المنظمة العالمية للصحة.

أعلنت الجزائر مطلع فيفري 2025 عن تمديد عطلة الأمومة للنساء العاملات في جميع القطاعات إلى خمسة أشهر بدلاً من ثلاثة أشهر وأسبوع. وجاء هذا القرار إستجابة لمطالب دامت سنوات من الجمعيات النسوية، الذي اعتبره البعض منها خطوة إيجابية نحو تعزيز حقوق المرأة. 

وإذ لاقى القرار ترحيباً من قبل العديد من منظمات المجتمع المدني التي اعتبرته تقدماً نحو تحقيق التوازن بين الحياة المهنية والأسرية، لا تزال تمثيليات نسوية أخرى ترى أن هذا الإجراء، رغم أهميته، غير كافٍ لمعالجة كافة الإشكالات القانونية التي تواجهها النساء العاملات.

 جمعية “حورية للمرأة الجزائرية” رحبت بالقرار، حيث نشرت عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك: “نثمن هذا الإجراء الذي يعزز حقوق المرأة …إن تمديد عطلة الأمومة يمثل خطوة استراتيجية نحو تحسين الظروف الاجتماعية والمهنية للمرأة الجزائرية، إذ يمنحها الفرصة لرعاية مولودها في بيئة مناسبة، مما ينعكس إيجاباً على صحتها وصحة الطفل، ويعزز استقرار الأسرة والمجتمع “.

من جهة أخرى، ترى بعض الجمعيات النسوية أن القرار يشكل خطوة إيجابية لكنه لا يزال غير كافٍ لضمان حقوق أوسع للنساء. في هذا السياق، نظّمت شبكة وسيلة لحماية المرأة والطفل في الجزائر، يوم 22 فبراير الماضي، ورشة تفكير، ركزت فيها على فئات من النساء المحرومات من هذا الحق.

وفي هذا السياق، تقول الناشطة النسوية امال حجاج في تصريحها لتوالى أن هذه الخطوة استجابة طال انتظارها لمطالب متكررة، ومع ذلك، لا يزال من الضروري انتظار صدور القانون.

في البداية، كان التركيز منصبًا على قانون يشمل فقط الأمهات اللواتي ينجبن أطفالًا من ذوي الإعاقة. ومن المؤكد أن الاهتمام بحقوق الطفل أمر مهم، لكن الأهم هو تعزيز دور المرأة العاملة وتقديم التسهيلات اللازمة لها “. 

وعرجت حجاج للحديث حول ضرورة أن تشمل القوانين الأب عبر استحداث عطلة الأبوة، مما يتيح لكلا الوالدين فرصة استقبال المولود الجديد والتفرغ لأدوارهما الأبوية، والمساهمة في كسر القوالب النمطية التي تحصر مسؤولية التربية ورعاية الأطفال للمرأة وحدها.

 من جهتها، ترى المحامية عايشة زميت في تصريح لتوالى أن هذا القرار يمثل خطوة مهمة نحو دعم الأمهات العاملات وتوفير بيئة عمل مرنة تراعي التحديات التي تواجههن، إلا أنه لا يزال يتطلب مجهودًا أكبر لضمان بيئة عمل داعمة. وتضيف أن تحسين البنية التحتية، مثل تقريب دور الحضانة من أماكن العمل، يمكن أن يساهم بشكل فعّال في تعزيز الإنتاجية وتوفير بيئة أكثر ملاءمة للأمهات، وهي تجربة أثبتت نجاحها في بعض المؤسسات.

وترى زميت أن سنّ مثل هذه القوانين جاء نتيجة نضال طويل قادته منظمات المجتمع المدني من أجل تحقيق مكاسب حقوقية للمرأة، لكن الطريق لا يزال طويلًا. كما تشير إلى أن هذه القوانين قد تواجه فجوات قانونية وتعقيدات إدارية في آليات تطبيقها، مما قد يحدّ من استفادة النساء منها عمليًا، ما يستدعي مواصلة الجهود لضمان تنفيذها الفعلي دون عراقيل.

إجازة الأمومة: إصلاح مقيّد يعرقله القانون 84/27 

وجهت المنظمات النسوية الجزائرية رسالة مفتوحة إلى وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي، دعت فيها إلى تعديل المادة 32 من المرسوم التنفيذي رقم 27-84 المؤرخ في 11 فبراير 1984، بما يضمن إنصاف النساء العاملات في الاستفادة من عطلة الأمومة دون قيود تعسفية.

وأشارت الرسالة إلى أن التفسير الحالي للمادة يحرم العديد من النساء، خاصة ذوات العقود المؤقتة أو الأجر اليومي، من حقهن في التعويضات المرتبطة بعطلة الأمومة. وأوضحت أن مجرد غياب غير مدفوع الأجر أثناء الحمل، حتى بموافقة صاحب العمل، يستخدم كذريعة لحرمانهن من هذا الحق، وهو ما يشكل تمييزًا صارخًا.

وأكدت الرسالة التي وقعت عليها شبكة وسيلة أفيف، اللجنة الوطنية الوطنية للمرأة العاملة، الجريدة النسوية الجزائرية، مجموعة ألجيريان فيمينيست، مبادرة اكتئاب ما بعد الولادة DZ ،مبادرة لها بودكاست، مؤسسة أمل وكرامة، مبادرة ثورة بودكاست، أن هذا الوضع يتناقض مع القوانين الجزائرية، مثل المادتين 56 و66 من قانون العمل، اللتان لا تعتبران الغياب المؤقت إنهاءً لعلاقة العمل. كما اعتبرت أن تمديد عطلة الأمومة، الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية، خطوة إيجابية، لكنها تبقى غير مكتملة دون تصحيح الثغرات القانونية، ودعت الرسالة إلى مراجعة المادة 32 لضمان حق جميع النساء العاملات في عطلة أمومة مؤمّنة، مشددة على أن حرمان المرأة من هذا الحق هو عقوبة مزدوجة.

وعن أهمية الرسالة المفتوحة التي وجهتها المنظمات النسوية، تقول القانونية ياقوتة بن روقيبي وعضو الجريدة النسوية إحدى المنظمات الموقعات على الرسالة، لتوالى أنها جاءت في توقيت مناسب لتعزيز حقوق المرأة العاملة وضمان استفادتها الفعلية من هذا الإجراء. وفي هذا الإطار، توضح بن روقيبي قائلة:

  ” من غير المنطقي أن يتم زيادة مدة الإجازة بينما لا تزال هناك إشكالية قانونية في النصوص التطبيقية الخاصة بالتأمين على الأمومة، مما يؤدي إلى حرمان العديد من النساء من هذا الحق “.

وتضيف “تتطرق الرسالة إلى مطلب أساسي، تكفله مؤسسات الضمان الاجتماعي في الجزائر كما تدعمه الاتفاقيات الدولية. أما من حيث المضمون، فقد جاءت الرسالة بصيغة قانونية دقيقة، حيث تسلط الضوء على الإشكالات التي تطرحها المادة 32 من المرسوم التنفيذي 84-27 من الناحية الإنسانية والعملية، إلى جانب الكشف عن بعض الثغرات القانونية“.

وبدل المطالبة بإلغاء المرسوم،تقول بن روقيبي “ تقترح الرسالة تعديلاً بسيطاً على المادة المذكورة، وهو تعديل كفيل بضمان حقوق جميع النساء الأجيرات في الجزائر، بما يحقق العدالة ويحفظ حقوقهن“.

وعن  الخطوات المقبلة التي يمكن اتخاذها لدفع هذا التعديل تؤكد بن روقيبي أنه” لا يمكن التوقف عند هذا الحد، سيكون هناك تذكير مستمر للجهات المعنية بضرورة تعديل هذه المادة، ونحن على ثقة بأن السلطات ستقوم بواجبها في هذا الشأن. هذا ما نُسميه النضال الحقيقي“.

تشديد إجراءات حماية النساء من العنف

في السياق ذاته، جاء قرار تمديد عطلة الأمومة ليعكس توجهاً واضحاً نحو تعزيز حقوق المرأة حيث دعا الرئيس عبد المجيد تبون إلى وضع  آليات لحماية النساء من العنف،  وقد أكدت الجمعيات النسوية على أهمية استثمار هذه الخطوة لتحقيق مكاسب ملموسة، من خلال تقديم مقترحات تصب في مصلحة النساء المعنفات في البلاد. حيث ثمنت الجريدة النسوية الجزائرية هذه المبادرة ” بحرارة” ، وأكدت  استعدادها الكامل للمساهمة في إثراء النقاش حول السياسات العمومية الضرورية لمكافحة العنف ضد النساء،مضيفة بأن ” القضاء على العنف هو مسؤولية جماعية وشرط أساسي لتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين الجنسين”

ووجهت منظمات نسوية رسالة مفتوحة  تدعو فيها  إلى استراتيجية وطنية طموحة وفعالة ضد العنف  ،تتمحور التوصيات حول تعزيز آليات الإبلاغ بوسائل فعالة تشمل مراكز اتصال تعمل على مدار الساعة وبروتوكولات تدخل سريع، إلى جانب توفير حماية فورية للضحايا عبر القبول التلقائي للشكاوى وإبعاد المعتدين وتعزيز قدرات الاستقبال. كما تدعو إلى إنشاء مراكز إيواء جديدة، وتقديم دعم مالي، وإطلاق برامج لإعادة إدماج الضحايا.

وتشمل المقترحات أيضاً تكثيف تدريب المهنيين لضمان استجابة أكثر فاعلية، وتعزيز الإطار القانوني عبر الاعتراف بجريمة قتل النساء والاغتصاب الزوجي، مع تحسين القوانين المتعلقة بالتحرش والعنف النفسي. كما تشدد التوصيات على معالجة الأسباب الجذرية للعنف من خلال التربية على المساواة وإلغاء التشريعات التمييزية.

للتذكير، سجلت مصالح الشرطة حسب مؤسسة “سيداف” من أجل المساواة سنة 2023 أكثر من 5792 حالة شكوى لنساء تعرضن لسوء المعاملة، من بينها 3809 حالات اعتداء جسدي، و3 حالات ضرب وإصابة مفضية للموت، و27 حالة قتل وثلاث حالات شروع في القتل، و47 حالة عنف جنسي ضد المحارم و31 حالة تحرش جنسي وحالة واحدة استغلال اقتصادي مع إحصاء 11 حالة اختطاف، كما أحصت مبادرة لا لقتل النساء في الجزائر مقتل 315 امرأة منذ 2019  

تأتي هذه المستجدات تزامنا مع انعقاد مؤتمر بيجين+30، الذي سيقام بنيويورك من 10  إلى 21 مارس 2025  الذي سيقيّم التقدّم المحرز في قضايا حقوق المرأة عالميًا.