كشف الاستطلاع الذي نشره المعهد الفرنسي للرأي العام “إيفوب” يوم الثلاثاء 16 سبتمبر، أن المسلمين في فرنسا يعيشون واقعاً مقلقاً، حيث يواجهون التمييز والعنصرية. فحسب أرقام الاستطلاع الذي أعده المعهد لصالح جامع باريس الكبير والذي شمل أزيد من 1000 شخص، فإن 66% من المسلمين في فرنسا صرّحوا بأنهم تعرضوا لسلوك عنصري خلال السنوات الخمس الأخيرة، أي ما يعادل أزيد من ثلاثة أضعاف المعدل في فرنسا. وقد تم تحديد الدين في نصف الحالات كعامل أساسي وراء هذه الممارسات.
وتبرز معاملات التمييز بشكل خاص في مجال التوظيف والسكن والتفتيشات الأمنية. فمسلم من بين كل اثنين يقول إنه تعرض للتمييز أثناء البحث عن عمل، و46% خلال محاولات الحصول على سكن. كما برزت كذلك هذه المعاملات المعادية للمسلمين في الإدارات العامة الفرنسية، فأشار 36% من المستجوبين إلى تعرضهم للتمييز داخل الإدارات، و29% في قطاع الصحة، و38% في قطاع التعليم.
في تعليقه على هذه الأرقام التي تبرز وضعية مسلمي فرنسا اليوم، يقول الكاتب والناشر الفرنسي توماس سيبيل إنها، وإن كانت تعكس مناخاً متوتراً، لكنها لا تمثل الشعب الفرنسي ككل.
“الوجود الإسلامي في فرنسا أقدم بكثير مما يتصوره الكثيرون. فقد جسّد مثقفون ومعتنقون للإسلام مثل إتيان دينيت أو كريستيان شرفيل جمال الإسلام في فرنسا منذ مطلع القرن العشرين، وكانوا مندمجين ومحترَمين، مثلما كان الحال لاحقاً مع محمد حميد الله، وإيفا دو فيتراي، ووالد وابن عائلة بامات.”
%10 من أصل 66 مليون نسمة
ليضيف صاحب كتاب La place de l’Islam en France : Entre fantasmes et réalités (مكانة الإسلام في فرنسا: بين الخيال والواقع) أنه “بعد الحرب العالمية الثانية، جعلت موجات الهجرة هذا الوجود أكثر وضوحاً، ومنذ ذلك الحين بدأت الأقلية المسلمة تعاني من تمييز يرتبط في البداية بالأصل الاجتماعي ثم بالدين. اليوم، الفارق الذي تظهره الاستطلاعات يعكس أن المسلمين، باعتبارهم أقلية مرئية، يتحملون في آن واحد ثقل هويتهم ومعاملة إعلامية تضعهم باستمرار في قلب الجدل. ومع ذلك، سيكون من الخطأ اختزال فرنسا في صورة مجتمع معادٍ للإسلام: فالكثير من الفرنسيين يعيشون مع زملاء وجيران وأصدقاء مسلمين دون أي مشكلة. لكن هذه الحياة اليومية الطبيعية والإيجابية تظل غير مرئية”.
ويشكل المسلمون اليوم ثاني أكبر مجموعة دينية في فرنسا، بما يقارب 10% من أصل 66 مليون نسمة، وفقًا لإحصاءات المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية بفرنسا (INSEE).
هذا الوضع لا يقتصر فقط على المسلمين كأفراد. فأدان جامع باريس الكبير “بأشد العبارات” في بيان له يوم الثلاثاء، 16 سبتمبر، التعليقات التي صدرت في اليوم السابق على قناة BFM، حيث تم وصف اللغة العربية بأنها لغة “إسلامية” وحتى “إسلاموية”.
كما أدان الجامع “الأعمال المعادية للإسلام” والتي ارتُكبت الليلة بين 8 و9 سبتمبر، ضد عدد من المساجد في باريس ومنطقة إيل دو فرانس، حيث وُضعت رؤوس الخنازير أمام أبواب هذه المساجد.
كراهية واسعة الانتشار
يقول سيبيل، والذي سبق لوسائل إعلامية يمينية أن هاجمت دعوته للمشاركة في نشاط من تنظيم جمعية في معهد الدراسات السياسية بباريس شهر مارس الماضي، إن هذا الوضع تفسره عدة عوامل.
“تاريخياً، تحتفظ فرنسا بريبة تجاه الدين منذ ثورة 1789، والإسلام، بصفته آخر الأديان الكبرى الوافدة، يعيش ما عاشته المسيحية واليهودية قبله، لكن بصورة مضخّمة بفعل الضغط الإعلامي والفرص السياسية. اليوم، يجد بعض المسؤولين السياسيين في الإسلام كبش فداء سهلاً لصرف الأنظار عن القضايا الحقيقية، بينما تغذي وسائل الإعلام هذا المناخ من خلال تسليط الضوء على أقلية مرئية. والنتيجة هي تصاعد الإسلاموفوبيا مقارنة بالسنوات السابقة، سواء عبر اعتداءات لفظية أو جسدية. لكن يجب التذكير أن ذلك لا يعكس غالبية الفرنسيين، الذين يعيشون يومياً في وئام مع مواطنيهم المسلمين”.
وتكشف أرقام “إيفوب” أن هذا المناخ يغذي شعورًا عامًا بالقلق، حيث يرى 82% من المسلمين في فرنسا أن الكراهية تجاههم واسعة الانتشار، فيما يعتبر 81% أنها ازدادت سوءًا خلال السنوات العشر الماضية. كما يسود انعدام ثقة واضح تجاه المؤسسات.
وحيال هذا الوضع، يوجد من المسلمين من يختار الانكفاء على نفسه، ومنهم من يختار مغادرة فرنسا. فكشف كتاب La France, tu l’aimes mais tu la quittes (فرنسا تحبها، لكن تغادرها)، الصادر في شهر ماي من العام الماضي، والذي كان نتيجة لتحقيق سوسيولوجي شمل أزيد من 1000 فرنسي مسلم اختاروا مغادرة فرنسا نحو الخارج للاستقرار في بريطانيا أو كندا أو الولايات المتحدة أو دول الخليج أو شمال إفريقيا وتركيا، أن 71 % من هؤلاء اختاروا الهجرة بسبب ما يسميه الباحثون “إسلاموفوبيا الجو العام”، والتي تتجلى في ممارسات يومية من النكت العنصرية، ورفض فرص العمل، والتهميش المدرسي والاجتماعي.