اهتزت شبكات التواصل الاجتماعي البارحة على وقع النبأ المنتظر منذ أيام: “هشام الوهراني حكموه”. عادةً، وفي هذه السياقات ينتشر الخبر بصيغة فلان “طاح”، أي وقع بين يدي الأمن. ولكن هذه المرة قيل “حكموه”.
هشام عطية المعروف بالوهراني الذي فر هاربا بعد أن انتشرت له مرئية تفضح جرما كامل الأركان حدث قبل أشهر، إذ يظهر فيها وهو يُعذّب، مع جماعةٍ، شابا يُدعى رؤوف داخل منزل ببوسماعيل، غرب العاصمة، ويهدده بسلاح أبيض. كانت آثار العنف واضحة والدماء تسيل من الضحية.
بعد انتشار الفيديو على شبكات التواصل الاجتماعي تطوّرت القضية وتجاوزت العالم الافتراضي. تعاطف الجميع مع الشاب الذي بدا مسحوقا نفسيا لحظتها من فرط العنف والتعذيب. بعدها، بدأت ملابسات القضية تتضح، فرغم كثرة الشائعات واللغط حول هذا النوع من القضايا، مال كثيرون إلى التحقيق حول هوية “هشام الوهراني” عبر صفحات الفيسبوك محاولين تسقّط أصداء وأخبار عن حيه والبيئة التي كان فيها. لكن في هذه الحالة تجاوز المواطنون المعتاد وأكملوا الفعل إلى آخره بعد أن ألقوا القبض على هشام الوهراني وسلموه إلى الدرك الوطني ليلة أمس بالشلف.
في فترة فراره، انتشرت على الفيسبوك حملات تطالب الدولة بالقبض عليه وأخرى توعوية تطالب المواطنين بالتبليغ عنه. وهذا الذي حدث حين أمسك به مواطنون وهو هارب باتجاه غرب البلد بالقرب من سكة حديد بالعطاف (ولاية عين الدفلى). ورغم أن المواطنين أبلغوا الدرك الوطني عن إيقافهم للجاني، إلا أنهم أوسعوه ضربا وشتما ريثما أٌخِذَ منهم.
وفي هذا أيضا صور موثقة للحادثة مصحوبة بشعارات “تحكمك الدولة ومايحكمكش الشعب”. بعدها انتشرت صور أخرى لتهليل أحياء كاملة من ولاية الشلف عند سماعهم الخبر، وأخرى توضح مرافقة مواطنين لسيارات الدرك حتى مقرها، وكأنهم يزفونها.
باختصار، لعب المواطنون دور المؤسسات الأمنية من أول الأمر إلى آخره، وأضافوا من عندهم طبعًا.
شبكات التواصل الاجتماعي: وسيلة استجابة وملء الفراغ ضد جرائم العنف
والملاحظ أن موجة العنف التي تكشفت للعيان عبر شبكات التواصل الاجتماعي خلال الأشهر قليلة، تتنامى شدتها، ومع اهتمام النّاس بها، تأقلمت صفحات وحسابات عديدة على الفيسبوك وتيكتوك خاصةً مع هذا الوضع تحت عنوان عريض مفاده “محاربة عصابات الأشرار”، والتي أصبحت تلعب أدوار مختلفة وبدوافع مختلفة، أهمها أنها تملأ الفراغ وتصحح ما لم تقدر عليه سياسات الحكومة.
وقد يحدث أن يتجاوز الأمر من مجرد المطالبة بالأمن والتعبير عن الخوف إلى التنكيل بالمجرمين رمزيا ومعنويا والتعدي على حرماتهم، مثل ما حدث مع هشام الوهراني الذي نشرت صور له مع أولاده وزوجته مرفوقة بكلام بذيء، رغم أن الأولاد لا دخل لهم في جرم والدهم.
وأصبحت هذه الصفحات مؤخرا أيضا فضاء تعبير وتنفيس الأفراد عن غضبهم وآرائهم. إذ كثرت صور العنف والتبليغات عن مختلف الجرائم: عنف عصابات الأحياء، والسرقات، والتحرش. ومعها كثرت حملات المطالبة بالحلول. ومن الحلول المطروحة: تطبيق حكم الإعدام، وغيرها من طالب بتطبيق القصاص والحد بالمعنى الشرعي.
في هذا الشأن كان رئيس مجلس قضاء بجاية، مصطفى سماتي، قد خرج في تصريح للإعلام، الإثنين الماضي أن الجهات القضائية المسؤولة في البلاد سوف “تشرعُ مستقبلا في العودة إلى تطبيق حكم الإعدام المجمّد منذ 1993، في القضايا المتعلقة باختطاف الأطفال وترويج المخدرات في الوسط المدرسي”.
نال هذا الخبر استحسان كثيرين، إذ فُهِم أنه قرار رئاسي جاري التنفيذ، لكنه في الحقيقة لم يُسَن بعد وهو مازال تعهدا رئاسيا ليس إلا. وجاءت هذه الخطوة في سياق تفشي الجريمة وانتقاد قرار العفو الرئاسي الذي يُطلق كل عام الكثير من مرتكبي جرائم العنف والمخدرات. في حين أن انتقدَ آخرون هذا التوجّه نحو العودة لتطبيق حكم الإعدام، مُعلّلين ذلك بأنّ بناء الأمان كمجتمع لا يكون بالمشانق التي تنصبها العادلة بل بالتكافل وإحقاق العدالة والوقاية، وليس بثنائية الخوف والعقاب، لأن ما يمكن أن يردع المجرمين هو اليقين بوجود عدالة وقانون قابل للتطبيق وليس بمدى قسوة هذه العقوبة.