جار التحميل ...

عن حديث المصالحة الذي لم يسمعه الفلسطينيون

مضت أيام على اجتماع الفصائل الفلسطينية في الجزائر لعقد المصالحة، وبعدها القمة العربية التي احتلت فيها القضية الفلسطينية والمصالحة حيزا كبيرا، دون أن يستقطب ذلك الشارع الفلسطيني. توالى تستطلع صدى هذا لدى الفلسطينيين في مراسلة خاصة من رام الله.


الجزائر في 13 أكتوبر 2022.

رغم انعقاد جلسات المصالحة الفلسطينية بالجزائر، الدولة الأقرب إلى الفلسطينيين مكومة و شعبا، إلا أن الأكثر حضورا هو عدم الثقة التي بنيت في أذهانهم جّراء خذلان الفصائل الفلسطينية للشعب وعدم جديّتها في تخطي مصالحها طوال سنوات الإنقسام وإتمام المصالحة.

ففي 11 أكتوبر2022 أول بدأت الوفود الممثلة للفصائل الفلسطينية بالوصول إلى العاصمة الجزائر، وعلى مدار يومين دارت جلسات وحوارات، رشحت الأنباء لتقدّم كبير، وتوافق على رؤية الجزائر التي قدمتها قبل أشهر، والرامية إلى إنهاء الانقسام الداخلي وترتيب البيت الفلسطيني.

وكان من المفترض تتويج هذا التقارب في الإعلان النهائي والتوقيع على إنهاء الانقسام في 13 أكتوبر، ضمن ما سٌمّي ب” إعلان الجزائر “، التي اختارت له الدولة المضيفة مكانًا له رمزية تاريخية  في الذاكرة الفلسطينية، وهو قاعة قصر المؤتمرات والتي شهدت 25 نوفمبر 1988، انعقاد ” المجلس الوطني الفلسطيني “، وإعلان الرئيس ياسر عرفات قيام الدولة الفلسطينية، إلا أن النتائج، من جديد، عكست عدم جدية طرفي الانقسام على إنهائه بالرغم من كل الجهود المبذولة.

عدم الجدية ظهرت في عدم تضمين الإعلان لخطوات عملية لتحقيق ما تم التوافق عليه من ” إتمام المصالحة الوطنية واعتماد لغة الحوار والتشاور لحل الخلافات بهدف انضمام الكل الوطني إلى منظمة التحرير “، كما أن الاتفاق لم يتطرق إلى تشكيل حكومة توافق وطني بين الطرفين.

ومثلما بدأت الجلسات دون أن يكترث أحد من الشارع لقادة الفصائل وهي ذاهبة لإجراء الحوار، لم يحظى إعلانهم التقدم بالمصالحة والتقاط الصور معا اهتماما، فالشارع الفلسطيني يعلم جيدا بعد أكثر من 15 اجتماعا ولقاءا مماثلا، أن الانقسام لا ينتهي بالصور والضحكات المتبادلة.

حسم وانقلاب.. بالنتيجة انقسام

وبالعودة إلى البدايات فقد بدأ الانقسام بين الحركتين الأكبر على الساحة الفلسطينية بعد مشاركة حركة المقاومة الإسلامية حماس بالانتخابات التشريعية عام 2006، وما نتج عنه، فوزها بالأغلبية وتشكيلها الحكومة الفلسطينية في حينه.

لم يتقبل أنصار حركة التحرير الوطني ” فتح ” -وهو حزب السلطة الحاكمة منذ تأسيس السلطة عام 1993- هذا التغيير السياسي الكبيرفي حينه مما دحرج المواقف إلى قيام حماس بحسم عسكري للسلطة في قطاع غزة في العام 2007، وبين الحسم الذي اعتبرته حماس حقا لها بعد فوزها بالانتخابات، اعتبرت فتح ما جرى هو انقلاب على شرعيتها.

هذا الحال، كرس سلطتين، واحدة في الضفة الغربية بقيادة ” فتح “، وأخرى في القطاع بقيادة ” حماس “. وبين السلطتين فقد الشارع الفلسطيني الكثير من نقاط قوته في مواجهة الاحتلال، وأيضا الثقة بالفصيلين اللّذين عزز كل منهما نفوذه.

ومنذ 2006 وحتى الأن، تسعى الأطراف الفلسطينية الثالثة، وجهات عربية ودولية لتحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام الذي بات يتكرس بزيادة مصالح كل طرف من بقائه.

وبدأت أولى محاولات الإصلاح في العام 2006 من خلال وثيقة أشرف عليها الأسرى الفلسطينيون من داخل السجون والتي عرفت ب ” وثيقة الوفاق الوطني “، والتي اصطدم تنفيذها بموقف حركة حماس الرافض لما تضمنته من الاعتراف بإسرائيل.

في نفس العام، توصّل الطرفان إلى اتفاق مبدئي لتشكيل حكومة وحدة وطنية، إلا أن إصدار الرئيس الفلسطيني محمود عباس “يمثل فتح” إعلانا عن انتخابات برلمانية ورئاسية مبكّرة قلب الطاولة من جديد حيث اعتبرت حماس هذا الإعلان تجاوزا لها.

من السعودية للجزائر…لا جديد

لم تتوقف المناكفات السياسية في ذلك، بل تحولت في بعض الأوقات إلى اشتباكات مسلحة بين مناصري الطرفين، فكان التدخل السعودي في فيفري 2007، وكان اتفاق مكة الشهير الذي نص على حرمة الدم الفلسطيني واتخاذ كل التدابير لوقف الاشتباكات، إلا أن هذا الإعلان لم يستمر طويلا، حتى جويلية 2007 وإحكام حركة حماس نفوذها بالقوة على القطاع.

وسط ملاحقة أنصار حماس من قبل السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية، والعكس ملاحقة أنصار فتح والسلطة في القطاع، استمر الحال حتى 23 مارس 2008، وتوقيع الطرفين على إعلان صنعاء بالعاصمة اليمنية.

لم يتغير شيئ على الأرض، وزادت الملاحقات والاعتقالات السياسية والإقصاء لمناصري الحركتين تحت سلطة الآخر، حتى العام 2011 حينما عادت مصر من جديد للوساطة لتشكيل حكومة مؤقتة مشتركة مع الاتفاق على إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في العام التالي، عام 2012، مع تشكيل حكومة انتقالية والسماح لحماس بالدخول إلى منظمة التحرير.

أقل من شهرين وتوقّف تنفيذ الاتفاق، حتى العام التالي عندما وقع الرئيس الفلسطيني محمود عباس (رئيس منظمة التحرير ورئيس السلطة وحركة فتح) وخالد مشعل (مدير المكتب السياسي لحركة حماس في حينه) في الدوحة اتفاقا على مواصلة تنفيذ اتفاق القاهرة السابق.

وفي نفس العام أيضا تعرقل تنفيذ الاتفاق مرة أخرى، ليعاود الطرفان توقيع اتفاق آخر بعد شهرين في القاهرة يتضمن تشكيل حكومة وحدة وطنية والإعداد للانتخابات خلال ثلاثة أشهر، لم ينفذ منها شيئ.

” هناك ثمن لإنهاء الانقسام يجب أن يدفع بأن تتخلى حماس عن السلطة في غزة وبالمقابل تسمح فتح لها أن تكون شريكة كل شيء، وفيما عدا ذلك لا يمكن تحقيق المصالحة “.

هاني المصري

بعد هذا الاتفاق كانت خيبة الأمل والإحباط من جدّية الطرفين في تنفيذ الاتفاقيات قد تراجعت، وتجاوز الطرفان الحديث عن المصالحة حتى العام 2014.

في ذلك العام وقّعت فتح وحماس اتفاقًا جديدًا للمصالحة في غزة، يتضمن تشكيل حكومة وحدة في غضون 5 أسابيع تليها الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في غضون 6 أشهر، وبالفعل تم تشكيل هذه الحكومة، ولكن الأوضاع الميدانية بعد قيام المقاومة الفلسطينية بخطف ثلاثة مستوطنين إسرائيليين بالضفة واندلاع عدوان إسرائيلي على القطاع جمد الاتفاق.

انتهى العدوان الإسرائيلي على القطاع، وقبل نهاية العام وٌقّع اتفاق جديد بالقاهرة لتحديد مهام حكومة التوافق الوطني، إلا أن هذه الحكومة فشلت في تحقيق الوحدة الوطنية وبقي كل طرف مسيطرا على منطقته.

بعد ثلاث سنوات عادت مصر من جديد لاحتضان اجتماع للمصالحة، تمَّ التوقيع عليه في أكتوبر 2017، إلا أن تنفيذه توقف قبل أن يبدأ، وكان الخلاف هذه المرة حول مصير أسلحة الفصائل في غزة.

على هذا الفشل نامت المصالحة، وغاب الحديث عنها من قبل الفصائل والشارع الفلسطيني الذي استنفذ كل طاقته من التفاؤل بأي اتفاق يمكن أن يحرز تقدما، حتى العام 2020 وبدء طرفي الانقسام حوارات في العاصمة التركية انتهت بإعلانهما الاتفاق على ” رؤية مشتركة “.

هذه الرؤية تتمثل بالتوافق على إجراء الانتخابات العامة في الضفة الغربية وقطاع غزّة في غضون 6 أشهر، وبعدها بأشهر وخلال التحضير لهذه الانتخابات أصدر رئيس السلطة مرسومًا جديدًا بتأجيل الانتخابات بذريعة عدم وجود موافقة إسرائيلية لإجراء الانتخابات في القدس.

اجتماع مجاملة

هذا التاريخ الطويل من الحوارات والاتفاقات التي لم تنفذ، جعل الشارع الفلسطيني لا يبد اهتمامه بإعلان الجزائر، فهو كما يقول المحلل السياسي هاني المصري، والمتابع لجلسات الحوار المتعاقبة كلها. فعلى الأرض، تزداد الخلافات التي تعمق هذا الانقسام في كل من الضفة والقطاع وتظهر أكثر وضوحا للمواطن الفلسطيني.

المصري نفسه يجزم بعدم جدية الطرفين، ويقول إن هذا الاتفاق هو بمثابة ” مجاملة ” للجزائر التي يتفق الطرفان على احترامها وتقديرها، وتابع: ” الاجتماع أنتهى واحتفل الجميع دون أن نعرف ما الذي سيحدث بعد ذلك “.

وبحسب المصري فإن حماس تسعى حاليا من خلال هذا الاتفاق إلى الدخول إلى منظمة التحرير الفلسطينية لحصد مزيد من المكاسب، ولكن دون التخلي عن سلطتها في القطاع. وبالمقابل تسعى فتح إلى اتفاق مصالحة مع التمسك بالعملية السلمية التي أفرغتها إسرائيل من مضمونها بالكامل وشروط الرباعية التي لم تعد موجودة.

وأضاف:”هناك ثمن لإنهاء الانقسام يجب أن يدفع بأن تتخلى حماس عن السلطة في غزة وبالمقابل تسمح فتح لها أن تكون شريكة كل شيء، وفيما عدا ذلك لا يمكن تحقيق المصالحة “.

وكشف المصري، وهو أحد المطلعين على كواليس المصالحة، عن سحب بند تشكيل الحكومة بناء على طلب الرئيس الفلسطيني قبيل التوقيع على إعلان الجزائر، وتساءل: ” كيف يمكن التوصل للمصالحة دون الاتفاق على حكومة قادرة على توحيد المؤسسات الأمنية والمدنية التي تكرّس فيها الإنقسام طوال سنوات “.

وبحسب المصري فإن ما جرى هو ” عملية ذر الرماد بالعيون “، توقيع اتفاق يعلم موقعوه أنه لن ينفذ، وهو ما يوافق عليه النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي المنحل ” حسن خريشة “.

يقول خريشة والذي شارك في عديد اجتماعات المصالحة السابقة، بخصوص القيمة الكبيرة للجزائر المضيفة لدى الفلسطينيين، فهي الدولة الوحيدة التي لم تطبع مع الاسرائيليين إلى جانب التاريخ العريق الذي يجمع الجزائر مع الفلسطينيين.

وتابع” كلمة مصالحة باتت تثير اشمئزاز الفلسطيني الذي يشعر دائما أن هذه الكلمات تقال بلا معنى ولا مضمون، وكذلك الأمر بالنسبة للقمم العربية بعد قيام معظم الدول العربية بعمليات تطبيع مع إسرائيل “

وبحسب خريشة، فإن توقيت هذا الحوار جاء في وقت يقارن فيه الفلسطينيون بين المقاومين من الشبان الذين يتحدّون إسرائيل ويفرضون معادلة توازن قوة على الأرض.