جار التحميل ...

درواز الرياضي و الوزير

بعد مدة من الغياب، عاد عزيز درواز إلى الساحة من باب ألعاب البحر الأبيض المتوسط في طبعتها التاسعة عشر و التي تجري فعالياتها في مدينة وهران منذ يوم 25 جوان. نستذكر هذه الشخصية عبر البورتري الذي تضمنه كتاب " الوزير الجزائري " للباحث في علم الاجتماع ناصر جابي الصادر في 2011 عن دار الشهاب حول النخبة الوزارية .


الصورة من الصفحة الرسمية لألعاب البحر المتوسط وهران 2022

أنتجت الحركة الرياضية الجزائرية عدة وجوه معروفة، ليس في الرياضات الفردية فقط، بل حتى في الرياضات الجماعية، كما هو حال كرة القدم، السلة واليد. عزيز درواز المدرب الوطني لكرة اليد كان من بين هؤلاء الذين برزوا بإنجازاتهم الرياضية الأكيدة، لتستهويهم السياسية لبعض الوقت، فقد تعرض الرجل بعد الإعلان عن التعددية الحزبية إلى حالة استقطاب شديدة، قامت بها وفي نفس الوقت المعارضة والسلطة. فمن يكون هذا الرجل الذي طلبت أربع أحزاب سياسية جزائرية أن ينضم إليها في نفس الوقت تقريبا، ناهيك عن السلطة؟

عزيز درواز من مواليد حي بلكور( بلوزداد ) الشعبي بالجزائر العاصمة في سنة 1950، من عائلة غنية، مالكة، تدحرجت إلى المواقع الوسطى، بعد أن فقد الجد من الأب ملكيته الصناعية، جراء نزاعه مع شريكه. لكي لا ترث عائلة درواز من هذه الملكية الصناعية التي استولى عليها شريك الجد في ميدان الصناعات الغذائية إلا الفيلا المملوكة للجدة في أعالي حي بلكور وتلك التجربة العائلية  التي استمرت مع الأب، المولود في نفس الحي، في ” تذوق زيت الزيتون “.

إذا كان الجد من الأب درواز مالكا صناعيا ميسور الحال، قبل نزاعه مع شريكه، فإن الجد من الأم، كان ترجمان في ميدان العدالة، مما يفترض قيامه بدراسات عليا متخصصة، عكس الجد من الأب الذي كان لا يملك إلا المستوى الابتدائي، باللغة الفرنسية. عائلة درواز التي تنتمي إلى منطقة القبائل الصغرى بالقرب من بجاية، ومدينة القصر .بالضبط، من جهة الأم ،في حين يدعي الأب أن أصول العائلة القديمة من جهة الأب  تعود إلى برج بوعريريج

زاول الطفل عزيز درواز كل تعليمه الابتدائي والثانوي بحي بلكور مثله مثل إخوته الخمس الذين أنجبهم الأب الإطار بالديوان الوطني للخضر والفواكه، فقد تحصل الابن الثاني عزيز على البكالوريا في سنة 1969 من ثانوية الإدريسي، للتسجيل في معهد العلوم الاقتصادية، لمدة سنتين فقط ( 1972)، قبل التوقف عن الدراسة الجامعية ” أخذت رياضة كرة اليد كل وقتي ..فقد كنت لاعب، قبل أن أتوقف للتحول إلى التدريب بعد حادث حصل لي أثناء مقابلة رياضية “.

انظم الشاب درواز إلى المؤسسة الوطنية للصناعات الكيماوية (SNIC) ، للعمل كمسئول للنوعية في المؤسسة (1972-1976)، قبل الانتقال إلى نوع من الاحتراف على رأس الفريق الوطني لكرة اليد. ” مهنيا كنت احصل على أجري من سوناطراك“.

تميز النشاط الرياضي على رأس الفريق الوطني ، بتحقيق العديد من النجاحات ..فقد تحصل الفريق الوطني على بطولة إفريقيا للأمم في كرة اليد لمدة خمس سنوات متتالية 1983/89 . كما حصل على الميدالية الذهبية في العاب البحر الأبيض المتوسط بسوريا 1987 وميدالية فضية قبلها في نفس الألعاب، التي جرت بالدار البيضاء بالمغرب، ضد الفريق الفرنسي 1983.

 هذه النجاحات الرياضية، هي التي حولت عزيز درواز إلى شخصية عمومية، محبوبة لدى الكثير من الجزائريات والجزائريين، صورة ايجابية لم تغفل عنها قيادات الأحزاب السياسية التي ظهرت للوجود، بعد الإعلان عن التعددية أو حتى القديم منها، كجبهة التحرير وجبهة القوى الاشتراكية.

تم أول اتصال حزبي معي بمناسبة التحضير للانتخابات التشريعية من قبل جبهة التحرير وجماعة مولود حمروش تحديدا، عن طريق صديق طبيب مشترك لكن الأمور توقفت بعد أن اكتشفت المجموعة أنني كنت قد ذهبت لوزارة الداخلية مع سيد علي حطابي مؤسس حزب الأجيال الديمقراطية لتسجيل الحزب دون أن أكون من مؤسسيه. فكل العلاقة التي كانت تربطني مع حطابي وبعض مؤسسي الحزب، العمل في قطاع الشباب والرياضة“.

اتصل بي التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية في نفس فترة التحضير للانتخابات التشريعية عن طريق صحفي مشهور، ترشح هو الآخر للانتخابات بالعاصمة…كان شرطي أن رئيس الحزب الدكتور سعيد سعدي هو الذي يجب أن يتصل بي،رغم أن ميولي السياسية خلال هذه الفترة ،كانت متجهة نحو جبهة التحرير، فأنا اعتبر نفسي مناضل في الرياضة، أحسست بأنني قد تحصلت على استقلالي الشخصي عندما هزمت الفريق الفرنسي، في كرة اليد، بمناسبة العاب البحر الأبيض المتوسط“.

سيتم اتصال رابع  بالرجل في نفس الليلة، هذه المرة من جبهة القوى الاشتراكية ،الأفافاس ” لألتقي مع حسين آيت احمد، زعيم الحزب الذي طلب مني الترشح للانتخابات التشريعية، تحت راية الحزب، دون أن أكون منخرط فيه بالضرورة. قبلت العرض، بعد أن اشترطت أن يكون ترشحي في العاصمة“.

انخرط الرجل في اللعبة السياسية الجديدة عليه، لينازل فيها ممثل الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالعاصمة ضمن الدور الثاني الذي سمع  بقرار إلغائه وهو في الطائرة عائد للجزائر من سفر بالخارج. ” ذهبت مباشرة إلى مقر الأفافاس، لأجد قيادة الحزب في اجتماع، ليطلب مني آيت احمد المشاركة في هذا الاجتماع، رغم عدم انخراطي في الجبهة. بعد نقاش ،تم الاتفاق على ترك الأمور، حتى تتضح أكثر، على مستوى الشعب وعدم اتخاذ موقف لغاية اليوم الموالي، لكنني فوجئت عندما استمعت إلى رأي آيت احمد القاطع وهو يندد بتوقيف المسار الانتخابي. بعد هذا الموقف، من قبل آيت احمد، أوقفت كل علاقاتي مع جبهة القوى الاشتراكية“.

تنوعت علاقات الرجل مع السياسة خلال هذه الفترة، زيادة على هذه التجربة الانتخابية. فقد ” اقترح علي قبلها وزير الشباب والرياضة في حكومة حمروش، بوجمعة عبد القادر، تعييني كاتب دولة للرياضة. لكن العملية لم تصل إلى مداها بسبب استقالة الحكومة والصراعات التي عرفتها لأعيش تجربة أخرى مع  سيد احمد غزالي بعد استقالة حمروش. كنت في باريس عندما اتصل بي غزالي في الفندق، ليطلب مني العودة إلى الجزائر لأمر هام. بعد نقاش طويل مع الرجل في مقر وزارة الخارجية ليلا، خرجت تحت حراسة رجال الأمن، بعد انقضاء آجال حظر التجول ليلا .. وزيرا للشباب والرياضة” .

انتظرت مثل بقية الجزائريين أكثر من خمسة عشر يوما ليعلن عن وزارة غزالي دون وزارة الشباب والرياضة التي منحت بعد ذلك إلى السيدة عسلاوي. سمعت فيما بعد أن حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، غريم جبهة القوى الاشتراكية، رفض أن يعين وزيرين من الجبهة أنا وبن يسعد حسين. فما كان من غزالي، إلا تعيين ليلى عسلاوي، تحت ضغط أبوبكر بلقايد، الذي عبر عن موقف التجمع“.

 يقرر الرجل بعد هذه التجارب “الفاشلة “، مغادرة الجزائر، للعمل كمدرب للمنتخب الوطني السعودي 1993/95. لكن حصل ما لم يكن في الحسبان . ” كنت في عطلة بالخارج، مع العائلة عندما اتصلوا بي من الرئاسة. “تركت الأولاد وأمهم غاضبون ودخلت بسرعة، لأعين رئيسا للمجلس الأعلى للشباب برتبة وزير 1995/97.

يدخل الرجل الانتخابات التشريعية هذه المرة مع التجمع الوطني الديمقراطي (RND)ضمن قائمة العاصمة دائما، لينتخب ويعين وزيرا للشباب والرياضة .1997/99 ” كنت رافضا أن يتم وضعي في المرتبة السادسة عشر، لكنهم أقنعوني بالقبول، نظرا للظروف الخاصة التي كانت تمر بها البلاد“.

دخل الرجل وهو على رأس وزارة الشباب والرياضة، في صراعات عديدة مع نواب المجلس الوطني من حزب النهضة وحتى جبهة التحرير. ” جماعة النهضة احتجوا عندما راسلت مديري دور الشباب، لكي تفتح هذه المرافق أمام الشباب يومي الاثنين والخميس مساء أمام الشباب كمراقص و أماكن ترفيه. أغلبية النواب صفقوا علي بعد مداخلتي، رغم عربيتي التي تحسنت مع الوقت، نظرا لهذه الاهتمامات السياسية “.

استمر الرجل لغاية استقالة حكومة احمد أويحي ومجيء إسماعيل حمداني. ” أويحي كان يغار مني لا أعرف لماذا، ربما لأنني رجل معروف. فقد رفض لي مرتين، عطلة ليومين، طلبتها لأنني كنت مدعوا إلى نهائيات كاس العالم بباريس 1998“.

استقال الرجل من التجمع الوطني الديمقراطي، بعد هذه التجربة، ليتخذ مواقف مؤيدة لعلي بن فليس بمناسبة الانتخابات الرئاسية 2004 الذي يقول عنه ” بن فليس رجل مؤدب ومحترم.

درواز عزيز متزوج منذ 1986 من سيدة مدرسة بالمرحلة التكميلية في اللغة الألمانية، أنجب منها ذكرين وبنت واحدة، بنت مهتمة  أكثر من الأب بالسياسية التي تدرسها كتخصص بباريس ” تزوجت كبيرا نسبيا في العمر، لأن الرياضة أخذت كل وقتي، لذا أحاول أن أعوض العائلة وانجح في مشروع المؤسسة الخاصة الذي أديره مع شركائي . فقد ضيعت كثيرا على المستوى المالي، رغم ما ربحته من حب واحترام الناس لي“.