في إحدى مكتبات تيزي وزو، سألنا الكتبي كريم طالبي عن الكاتب السعودي أسامة المسلم، الذي شهدت جلسة توقيع كتابه “خوف” في صالون الجزائر الدولي للكتاب “سيلا”، في دورته الـ27 يوم 9 نوفمبر حضورا كبيرا من الشباب والمراهقين الذين جاؤوا للقاء كاتبهم والحصول على توقيعه، أجابنا كريم بأن أسامة المسلم من الكتّاب الذين تلقى عنده كتبهم طلبا ورواجا كبيرا خاصة لدى فئة الشباب.
وحين سألناه إن كانت صور التدافع قد فاجأته، أجاب: “لماذا تفاجئني؟ بالعكس، رؤية الشباب يتزاحمون من أجل كتاب هو أمر إيجابي”، وأضاف: “أسامة المسلم ليس الكاتب الوحيد الذي تلقى كتبه رواجا لدى المراهقين، فمثلا، وإضافة لسلسلة ”هاري بوتر”، هناك كتب كل من كولين هوفر وآنا هوانغ باللغة الإنجليزية، ولو حضرت أي منهما جلسة توقيع في معرض الكتاب مثلا، فلا أستبعد أن تشهدا نفس ذلك الإقبال.”
إذا كان هذا موقف كريم من الكاتب وكتبه، فهو ليس موقف الأوساط الأدبية في الجزائر، التي اكتشفت الكاتب بعد تلك الصور في المعرض، والتي غالبا ما ذهبت لانتقاد الكاتب وكتاب الفنتازيا هذا دون أن تقرأه، وانتقدت حتى قراءه.
إذا اكتشف الكثيرون في الجزائر الكاتب السعودي أسامة المسلم وتفاجؤوا بذلك الإقبال عليه هذا الأسبوع، فهذه ليست المرة الأولى التي يصنع فيها حدثا من هذا النوع. فقد سبق له أن شهد إقبالا مشابها في معارض الكتاب بالمغرب في شهر ماي الماضي ومصر في جانفي 2023 والإمارات في 2022 إضافة إلى انتقادات مه من طرف الأوساط الأدبية التي انتقدت الكتاب، بل إنه تعرض حتى للمنع.
أسامة المسلم مولود عام 1977 وقد كتب 39 رواية، أبرزها “خوف”، و”بساتين عربستان”، و”وهج البنفسج”، أخذ مؤخرا التقاعد المبكر من منصبه كأستاذ محاضر في اللغة الإنجليزية ليتفرغ للكتابة. ويكمن سر هذا الإقبال على كتبه، حسب الكاتب، في معرفته بجيل اليافعين ومعرفة ما يريده، وكيفية مخاطبته. ويصف هذا الجيل بأنه “مدفوع بالفضول ويتبع مبدأ جرّب لا تستشر.”
رواية “خوف”، التي تعد من أهم أعمال الكاتب والتي وقعها في معرض “سيلا”، قبل أن يتم توقيف الجلسة، مكونة من ثلاثة أجزاء منفصلة.
يقول الكاتب إنه نشر الرواية لأول مرة في عام 2018 استجابة لطلب متابعيه على “تويتر”، حيث كان يتابعه آنذاك أكثر من 20 ألف شخص طالبوه بتحويل القصة التي كان ينشرها على شكل تغريدات متفرقة إلى كتاب.
بعد أن رفضت 20 دار نشر مقترحه بنشر الرواية، يقول الكاتب، في تصريحات في بودكاست، إنه باع سيارته لتمويل طباعة أول 5000 نسخة من الرواية التي عنونها “خوف”. ليتولى بنفسه توزيع النسخ على فروع مكتبة “جرير” فيما رفضت مكتبات أخرى استقبال الكتاب.
ليتفاجأ الجميع ببيع جميع النسخ الـ5000 في ظرف شهرين، والتي اقتناها متابعوه في “تويتر”، مما دفع دور نشر، حتى تلك التي رفضته سابقا، إلى التواصل معه وعرض إعادة نشر طبعة أخرى من روايته “خوف”.
وخوف هو اسم بطل الرواية في “العالم السفلي”، عالم الجن والشياطين والسحرة الذي دخله بعد أن قرأ كتابا. وهو شخصية تشترك مع الكاتب أسامة مسلم في أنها عاشت في الولايات المتحدة حتى سن السادسة، ثم عادت إلى السعودية دون معرفة حرف من اللغة العربية، مما سبب له آنذاك “صدمة حضارية”، خاصة عندما كانت والدته تصطحبه إلى “الشيخ العماني” لرقيته، حيث كان يتفل عليه ثم تدفع له أمه بعد ذلك مالا.
أمضى بطل الرواية ثلاث سنوات في مكتبة “عمار”، وهو ساحر يعيش في إحدى الدول الخليجية. تعلم من كتبه علوم السحر واستحضار الشياطين، إضافة إلى “علم الأولين”، أو “العلم الذي لا ينتفع منه”، وهي التسمية التي أطلقها بطل الرواية على ما تعلمه من تلك الكتب دون أن يكون سحرا، لكنه كالعلم الذي مكن المصريين القدماء من التحنيط، وهو علم لا نزال نجهل أسراره إلى غاية اليوم.
الرواية، بالإضافة إلى لغتها السهلة وتشويق أحداثها التي تطغى عليها الحوارات، يتوجه فيها الراوي من حين لآخر لمخاطبة القارئ مباشرة. كما تتناول مواضيع مثل حرية الاختيار، الحق في التعبير، التعلم، الوفاء بالعهود، كما تمنح مكانة محترمة للمرأة التي يعتبر الكاتب انها لم تنل ما يكفي من حقها. وحتى أغلفة الكتب الأخرى للروائي، تحمل صورا لنساء من بطلات تلك الروايات.
يقول الكاتب إن المتعة في حد ذاتها غاية، وهو يستمتع بما يقوم به سواء في الكتابة أو في التفاعل مع قرائه.
إذ يتفاعل الكاتب مع قرائه، الذين ينتمي أغلبهم إلى “جيل زد”، عبر شبكات التواصل الاجتماعي، حيث يحصي أكثر من 122 ألف متابع على “إكس” (تويتر سابقا)، وأكثر من 485 ألف متابع على “إنستغرام” وأكثر من 600 ألف متابع على “تيك توك”.
ويقول إن حسابه على تيك توك، الذي فتحه بعد الحجر الصحي خلال جائحة كورونا، كان بداية التواصل المباشر مع قرائه عبر حصص البث المباشر، حيث يجيب “على أسئلة الشباب في عالم لا يفهمهم” وأحيانا يتواصل مع أوليائهم أيضا.
علاقة الكاتب بقرائه عبر شبكات التواصل لا تقتصر فقط على الحديث معهم ومشاركة يومياته معهم، أو المشاركة في اللقاءات التي ينظمها نوادي القراء، بل تتجاوز ذلك، إذ كتب رواية جعل فيها 50 شخصية تحمل أسماء قرائه وأهداها لهم تحت عنوان “الوليمة”.
الكاتب الذي يعرّف نفسه على أنه “أشهر كاتب غير معروف”، أي أنه معروف بين قرائه والذين يتنقلون في كل مرة ينظم فيها جلسة توقيع كتبه، يقول إن هؤلاء القراء، الذين يقطعون مسافات طويلة وينتظرون لساعات للقائه، لا يفعلون ذلك فقط من أجل الكتاب أو التوقيع، بل أحيانا لشكره، لأن كتبه “أنقذتهم” و”رافقته”م في فترات معينة من حياتهم، سواء كان ذلك بسبب مرض أو ضياع، إضافة إلى المتعة التي وجدوها في القراءة.
ومثل هؤلاء القراء في مصر أو المغرب أو السودية، تدافع قراء أسامة المسلم في صالون الجزائر الدولي للكتاب “سيلا”، للقاء كاتبهم، وإن عرفت تلك الصور انتقادات من الأوساط الأدبية إلا أن محدثنا، كريم طالبي يقول: “في بريطانيا المراهقون يقضون الليلة لاقتناء كتب هاري بوتر، هل يوجد من انتقدهم وانتقد قراءتهم للكتاب لأنه فنتازيا؟ المراهقون يبدؤون بقراءة هذا النوع من الكتب التي تمهد لهم الطريق لينتقلوا بعد ذلك لقراءة الأدب الرصين والكتب الفكرية أو الفلسفية”.