جار التحميل ...

الفراغ السياسي ينفخ في رماد الفكر الانفصالي في منطقة القبائل


تجمع لأنصار الماك بعد مسيرة 20 أفريل 2019 وسط مدينة تيزي وزو رافعين علم منظمتهم والراية الأمازيغية | تصوير: ماجيد صراح.

أحيا خطاب الكراهية تجاه منطقة القبائل، الخطاب الذي روّج له بعض السياسيين والإعلاميين، وآلاف الحسابات المجهولة والتي سُمّيت بـ “الذباب الإلكتروني”، أفكار حركة الماك الانفصالية والتي عاد خطابها ليُطلّ برأسه في أحاديث المواطنين في الشارع وشبكات التواصل الاجتماعي، وذلك بعد عام من مسيرات الحراك الشعبي (2019/2020) وبعد انفراد المنطقة بمقاطعة رئاسيات 12/12.

الـ “ماك” هو الاسم المختصر للحركة من أجل تقرير المصير في منطقة القبائل، منطقة القبائل جغرافيا هي المنطقة الموجودة شمال الجزائر والتي تضم كل من ولايات: تيزي وزو، بجاية، بومرداس، البويرة، جيجل، ميلة، سطيف، سكيكدة وبومرداس. نُحاول في “التوالى” إعادة رسم تاريخ هذه الحركة ومختلف المراحل التي مرّت بها.

لمعرفة وزن تنظيم ما في المجتمع على الأقل من الناحية الكمية يمكن النظر إلى درجة حشده للمواطنين في الشارع  لكن حين نرى اليوم أن أخر مظاهرة قامت به هذه الحركة في مدينة تيزي وزو مثلا كان دعوة لتنظيم مسيرة في يناير 2019 بتيزي وزو، مسيرة لم تتمكن هذه الحركة من تنظيمها ليس فقط بسبب منع السلطات لها حتى قبل أن تنطلق بل لأن هذه الحركة لم تتمكن من حشد المواطنين. أو حين نرى أن إطارات هذه الحركة وباستثناء مؤسسها فرحات مهني، هي أوجه مغمورة حتى في منطقة القبائل. أضف إلى ذلك أن مواقع هذه الحركة في شبكة الانترنت، سواء تعلق الأمر بموقع الحركة أو ما سمته “الحكومة القبائلية المؤقتة” أو “وكالة أنبائها” –إضافة إلى كونها مواقع محجوبة بالجزائر-  هي مواقع غير مُحيّنة. كل هذه الأمور تجعلنا نرى مدى ضُعف بُنية هذه الحركة القائمة على وجه مؤسّسها حتى ولو كان هناك من يرفعها كفزاعة “العدو الداخلي”.

لكن وجُب القول أن الحديث عن حكم ذاتي لمنطقة القبائل ليس وليد اليوم، فالباحث في اللسانيات والمختص في اللغة الأمازيغية سالم شاكر وقّع عام 1998 نداء مع فنانين ومثقفين للمطالبة “بالاستقلالية اللغوية والثقافية لمنطقة القبائل”. ليتحول بعدها هذا المطلب إلى مطلب سياسي مع  بيان كتبه المناضل “حمو بومدين” في الأحداث الدامية للربيع الأسود سنة 2001، تحدث فيه عن “الشعب القبائلي”.

ليعلن بعده فرحات مهني يوم 5 جوان 2001 عن تأسيس “الحركة من أجل استقلالية منطقة القبائل” أي “الماك”، تسعة أيام قبل مسيرة “العروش” إلى العاصمة الجزائر في 14 جوان. ليقوم بعد ذلك بالترويج لمشروعه بمحاضرات. نجح المناضل فرحات مهني فيما فشل فيه المثقف سالم شاكر ألا وهو طرح فكرة الحكم الذاتي للنقاش العام.

وهنا تجدر الإشارة إلى نقطة مهمة، حيث وبخلاف ما هو متداول على أن مطالب هذه الحركة هي الانفصال (وهذا حتى في بعض ترجمات تسميتها إلى العربية بحركة انفصال منطقة القبائل) إلا أنه أثناء إطلاق حركة الماك والسنوات التي تلته، لم تتجاوز مطالب هذه الحركة المطالبة بالحكم الذاتي للمنطقة. أيضا وجب التذكير أن فكرة الحكم الذاتي أو النظام الفيدرالي ليست وليدة هذه الحركة ولا هذه المنطقة، فقد سبق وأن تحدث عنها العقيد بوبنيدر، عضو في مجلس الثورة ومسؤول في الولاية التاريخية الثانية، والذي اقترح في 1990 العودة لنظام الولايات الذي طبقته جبهة التحرير الوطني أثناء الثورة التحريرية في إطار نظام فيدرالي، الطرح الذي لم يلق أي صدى آنذاك. كي تعود للظهور في منطقة القبائل نظرا لعديد التراكمات، خصوصا القمع الذي عرفته المنطقة مع أحداث الربيع الأسود، سواء في مدنها أو أثناء مسيرة 14 جوان 2001 نحو الجزائر العاصمة، أو حتى عشرين سنة للوراء في الربيع الأمازيغي في أفريل 1980 .

بعد 6 سنوات من التعبئة والتنظيم وعديد المحاضرات في مختلف قرى وجامعات منطقة القبائل، تم انتخاب فرحات مهني رئيسا للحركة في مؤتمر إيغيل علي بولاية بجاية عام 2007 لعهدة مدتها 5 سنوات، بعد أن كان ناطقا رسميا للحركة وهو المنصب الذي شغله حتى 2010 ليخلفه بالنيابة بعد ذلك محند لعربي طيب، أستاذ بجامعة تيزي وزو، قبل أن يقوم بإقالته في أوت 2011.

عام 2008 وبعد محاولة منع لمحاضرة لفرحات مهني بجامعة البويرة وتكسير الطلبة لباب قاعة من أجل السماح بإلقاء المحاضرة، غادر فرحات مهني الجزائر نحو فرنسا لتجنب الاعتقال لأنه صرح أنه تم إصدار مذكرة توقيف ضده.

هذا التنقل للجوء في الخارج لسنوات لرئيس “الماك” ومؤسسها سيكون له فيما بعد أكبر تأثير في سير هذه الحركة وفي أفكارها، ويقسم هذه الحركة لمجموعتين من المناضلين: مجموعة متواجدة بالخارج، بفرنسا خصوصا، بما تتيح لها تلك المجتمعات التي تعيش فيها من حرية، لكنها منقطعة عن واقع منطقة القبائل ومجموعة أخرى من المناضلين متواجدة بمنطقة القبائل وتنشط فيها، وحركتها مكشوفة للسلطات ويواجهها واقع هذه المنطقة.

وإذا كان المناضلون المتواجدون في منطقة القبائل يرفضون طلب الاعتماد لحركتهم، ولا التراخيص للقيام بنشاطاتها ولا تهتم إذا كانت مواقفها تحترم القوانين الجزائرية أم لا، فالمناضلون المتواجدون بالخارج ينشطون في إطار يحترم قوانين البلدان المتواجدين فيها، وفي فرنسا مثلا ينشطون تحت الغطاء القانوني لجمعية “أصدقاء شبكة أنفاض” وهي جمعية فرنسية معتمدة خاضعة للقانون الفرنسي للجمعيات 1901.

أما بالنسبة للحضور الإعلامي، ففي الوقت الذي عرفت فيه المجموعة الموجودة في الجزائر التغييب وحتى التشويه، المجموعة الموجودة في الخارج لم تنجح في إقناع الصحافة الأجنبية بجدية مشروعها وجدية ما تقوم به لتمنح لها فرصة الترويج له والدفاع عنه لكسب الدعم الخارجي. 

قد يكون اسم فرحات مهني لا يقترن اليوم وبالنسبة للكثيرين سوى بالماك والانفصال، لكنه كان ولسنوات طوال يذكر بذلك المناضل والمغني الملتزم. فرحات مهني أو فرحات ايمازيغن ايمولا، 69 سنة، صاحب تسع ألبومات غنائية، مؤلف لأربع رسائل سياسية منشورة بفرنسا، عضو مؤسس لجمعية أبناء الشهداء في تيزي وزو، وعضو مؤسس للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، ومناضل مع الحركة الثقافية البربرية ومع حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وتعرض للاعتقال عشرات المرات من أجل الديموقراطية  وحقوق الانسان في الجزائر. ما الذي دفعه بعد كل هذه المسيرة للمطالبة بانفصال منطقة القبائل ثم في جوان 2018 إطلاق نداء لتأسيس ميليشيات؟ “صراحة لا أدري، لا أدري ما الذي حدث معه لتتحول أفكاره هكذا !”، هذه كانت إجابة أحد رفاقه في النضال والسجن.

بعد عامين من لجوئه بفرنسا، أعلن فرحات مهني عن إطلاق ما سماه “الحكومة القبائلية المؤقتة”  في جوان 2010 مع فريق مكوّن من عشرة أعضاء منح كل واحد منهم صفة “وزير” وكان هو عليهم رئيسا. ما اعتبره فرحات مهني في خطابه أنه “أفضل انجاز لمنطقة القبائل منذ فجر التاريخ” لم يشاركه الرأي كثيرون، بداية من مناضلي الـ”ماك” والمتعاطفين معه والمناضلين في منطقة القبائل وحتى اللغويين الذين لم يرق لهم استخدامه لحرف “V” –لعدم وجوده في الأبجدية الأمازيغية- في التسمية الأمازيغية لتنظيمه الجديد “Anavaḍ” بدل “Anabad” وتعني “حكومة”.

فتوجيهه للحركة من الخارج وقيامه بتصريحات وتحركات دون استشارة القاعدة الموجودة بمنطقة القبائل بدأ بخلق صدع في الحركة أدى لمغادرة العديد من مناضليها وإطاراتها. وفي الوقت الذي كانت فيه حركة “الماك” في منطقة القبائل لا تزال تتحدث عن “الاستقلالية” كان فرحات مهني بفرنسا يتحدث عن الاستقلال.

ديسمبر 2011 تم انتخاب بوعزيز ايت شبيب كأول رئيس منتخب للماك بعد فرحات مهني، وهذا الأخير انتخب رئيسا “للأنفاض” في المؤتمر الثاني للحركة بقرية ساحل ببلدية بوزقن بتيزي وزو. كي ينتقل بعدها للحديث عن تقرير المصير بدلا من الاستقلالية، إلى أن قام بتغيير حتى التسمية في أكتوبر 2013 ليتحول من “الحركة من أجل استقلالية منطقة القبائل” إلى “الحركة من أجل تقرير مصير منطقة القبائل” وذلك حسب الحركة كان من أجل استيعاب كل التوجهات الموجودة فيها.

بالرغم من القمع والمضايقات التي كان يتعرض لها مناضلو هذه الحركة إلا أن ذلك لم يمنعهم من حشد المواطنين ساعدهم في ذلك الوضع السياسي في الجزائر آنذاك العهدة الثالثة ثم الرابعة لعبد العزيز بوتفليقة، وحتى قمع مسيرة 20 أفريل 2014 في ولايات منطقة القبائل، المسيرة التي تعرضت للقمع لأول مرة في ذلك العام منذ 1980.

مع تراجع دور الأحزاب التقليدية في منطقة القبائل، الأرسيدي والأفافاس، رأت الحركة نفسها كقوة سياسية وصارت تتحدث عن “الاستقلال”. الأمر الذي قوبِل باحتقان بين الـ”ماك” وفرحات مهني، ودعوة الحركة للاستقلال عن الأنفاض، وهو ما انتهى باستقالة بوعزيز آيت شبيب من الـ”ماك” في نوفمبر 2016. ما خلق نزيفا حادا في الحركة حين التحق به العديد من المناضلين. لتستمر الحركة من ذلك العام بعد أن تم دمج كل من “الماك” و “الأنفاض” في حركة واحدة سميت “ماك-أنفاض” تعجز عن الحشد والنشاط.

وصول حركة “الماك” الشعبوية لهذه المرحلة من الضعف ليس عائدا فقط لمشاكل داخلية عرفتها، بل أيضا هجرة أغلب إطارات الحركة إلى الخارج، ككثير من شباب منطقة القبائل الذين يغادرونها بالآلاف كل سنة. وتعرّض من ظلّوا للملاحقة حيث تم توقيفهم عشرات المرات، وغلق محلاتهم التجارية ومنعهم من جوازات السفر. فمنهم من جوازات سفرهم لا تزال عالقة منذ 2016، سواء كانوا داخل الجزائر أو في الخارج؛ كحالة مولود حمراني، 33 سنة، الذي منعه حرمانه من جواز سفره من الالتحاق بزوجته في الولايات المتحدة.

في المقابل عجزت الحركة عن الترويج لأفكارها وحشد المواطنين من حولها، واكتفت بنشاطات استعراضية ورمزية كانجاز علم، ثم رفع هذا العلم قرب مبنى هيئة الأمم المتحدة، أو طبع “بطاقة تعريف”، أو منح مناضلين لها صفة “سفير” في بلدان إقامتهم، أو حتى الحديث عن صك عملة…  في الوقت الذي تعجز فيه عن الإجابة بجدية عن سؤال واحد يطرحه عليها المواطنون الذين تتوجه لهم بخطابها وهو “ماذا سنأكل؟”

اليوم وإضافة لحركة “الماك” التي تطالب باستقلال منطقة القبائل عن الجزائر، توجد حركة أخرى لها نفس المطلب بالانفصال وهي “الإتحاد من أجل جمهورية قبائلية” وهي الحركة التي أطلقها مناضلون سابقون في حركة “الماك” والتي بدأت بالبحث عن مكان لنفسها منذ ديسمبر 2017، إضافة إلى حركة أخرى تطالب بحكم ذاتي لمنطقة القبائل في إطار “جزائر تعددية وديمقراطية” أطلقت في فيفري 2017 وهي “التجمع من أجل منطقة القبائل”.

ما ترجمه الكاتب من الفرنسية:

ماك: MAK

حكم ذاتي: Autonomie

حركة استقلالية منطقة القبائل: Mouvement pour l’autonomie de la Kabylie

الإتحاد من أجل جمهورية قبائلية: Union pour une république Kabyle

التجمع من أجل منطقة القبائل: Rassemblement pour la Kabylie

استقلالية لغوية وثقافية لمنطقة القبائل: Autonomie linguistique et culturelle

الحركة من أجل تقرير مصير منطقة القبائل: Mouvement pour l’autodétermination de la Kabylie

الأنفاض: Anavad

الماك-أنفاض: Mak-Anavad

خط زمني للـ”ماك”:

تاريخحدث  
5 جوان 2001فرحات مهني يؤسّس الحركة من أجل استقلالية منطقة القبائل.
2007مناضلو الحركة يصوّتون لفرحات مهني، في عهدة رئاسية تدوم 5 سنوات.
2008فرحات مهني يهاجر إلى فرنسا.
1 جوان 2010فرحات مهني يؤسّس الحكومة المؤقتة القبائلية المعروفة باسم الأنفاض ، ويعيّن محند لعربي الطيّب ناطقا رسميا باسم الـ”ماك”.
2011انتخاب بوعزيز آيت شبيب رئيسا لـ”ماك”، وإقالة الناطق الرسمي محند لعربي الطيّب.
2013تغيير اسم الـ”ماك” من: الحركة من أجل استقلالية منطقة القبائل إلى الحركة من أجل تقرير مصير منطقة القبائل.
2016استقالة بوعزيز آيت شبيب من رئاسة الـ”ماك”.
2016فرحات مهنّي يدمج الـ”ماك” والأنفاض.