جار التحميل ...

إسرائيل تغتال حسن نصر الله…أي مستقبل للبنان والمنطقة؟

في 7 أكتوبر ومع إطلاق حركة “حماس” هجمات “طوفان الأقصى” انخرط حزب الله بقرار من نصرالله يوم 8 أكتوبر بحرب أسماها “إسناد غزة”. هذه الجبهة وعلى قدر ما أثارت نقداً داخلياً وانقساماً لبنانياً، لكنها أعادت الاعتبار لصورة نصرالله بوصفه الزعيم الداعم لأهل غزة والمواجه لإسرائيل.


هل يملك “حزب الله” شخصية تعوض غياب حسن نصرالله؟ سؤال يلوح منذ بدء التهديدات والحروب الإسرائيلية مع الحزب، لكنه بات واقعاً في الساعات الأخيرة، مع شنّ إسرائيل عدواناً هائلاً على الضاحية الجنوبية بقصفها بقنابل خارقة للتحصينات سوّت بالأرض عدة مباني. جريمة أودت بحياة مئات المدنيين، لكن يبدو أن العقل الإسرائيلي لا يكترث مجدداً لحياة المدنيين خصوصاً أن خصمه، أي الأمين العام ل”حزب الله” السيد حسن نصرالله كان الهدف. فمن هو نصرالله وكيف صعد سلم القيادة ليتحول إلى العدو الأول لإسرائيل والقطب الأبرز في محور الممانعة؟

وُلد نصر الله في 31 أوت 1960 في بيروت حيث نشأ في كنف عائلة شيعية متواضعة، نزحت من بلدة البازورية في جنوب لبنان إلى بيروت قبل الحرب الأهلية وأقامت في منطقة النبعة في شرق بيروت، وهي نفسها المنطقة التي انطلقت منها زعامة الإمام موسى الصدر وشهدت تأسيس حركة “أمل”. 

جذبته الدراسات الدينية منذ صغره، وتأثر بالسيد موسى الصدر، ودرس نصر الله العلوم الدينية في حوزة النجف في العراق، قبل أن يجبر على الخروج من العراق في عام 1978 بسبب حملة شنها الرئيس العراقي السابق صدام حسين ضد شخصيات شيعية بارزة دينياً وسياسياً. 

انضم لاحقاً إلى “حزب الله” الذي تم تأسيسه مطلع الثمانينيات بعد انسحابه من حركة “أمل” إثر غزو إسرائيل للبنان في عام 1982، وأصبح الأمين العام ل”حزب الله” في عام 1992 عن عمر يناهز 32 عاماً، وذلك بعد اغتيال سلفه عباس الموسوي الذي استهدفته اسرائيل في غارة على طريق بلدة تفاحتا في جنوب لبنان، بعد مشاركته في ذكرى مقتل الشيخ راغب حرب في بلدة جبشيت. 

تزامن تولي نصرالله منصبه مع السنوات الأولى لحقبة لبنان ما بعد الحرب الأهلية التي انطوت عام 1991، باتفاق الطائف وبتسوية إقليمية سمحت للراعيين السوري والإيراني امتلاك النفوذ الأقوى في لبنان. 

وسط هذه المعطيات تطور حضور نصرالله وعلاقته مع طهران ودمشق ونسج موقعه وموقع “حزب الله” تدريجياً، فكبرت قوّته العسكرية وتمكّن من تطوير مؤسساته الخاصة وترسيخ حاضنته الشعبية في الجنوب والضاحية والبقاع، من خلال منظومة عقائدية وعسكرية صلبة مرجعيتها في الدرجة الأولى طهران وولاية الفقيه. 

نصرالله متزوّج من فاطمة ياسين ولديه خمسة أولاد، قُتل ابنه البكر هادي نصرالله عام 1997 في مواجهة ضدّ الاحتلال الاسرائيلي في إقليم التفاح.

تمكّن نصر الله بفضل قوة حضوره والكاريزما التي يتمتع بها من تحويل “حزب الله” إلى قوة سياسية وعسكرية بارزة في لبنان والمنطقة، فلعب الحزب في عهده دوراً رئيسياً في محور الممانعة وفي المواجهة مع اسرائيل، لا سيما في عامي 1993 و1996 وصولاً إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان عام 2000. 

نصر الله والنظام السوري

مع تصاعد النفوذين الإيراني والسوري في لبنان ومع الانقسام السياسي الحاصل خلال حقبة التسعينيات وبداية الألفية، برز دور الحليف الأقرب لنصرالله، أي الرئيس السوري بشار الأسد مما خلق توترات سياسية داخلية في لبنان في عهد رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري.

 كانت ذروة انقسامات تلك المرحلة جريمة اغتيال الحريري عام 2005، وهي جريمة ربطتها المحكمة الدولية ب”حزب الله”. تبع اغتيال الحريري سلسلة اغتيالات لشخصيات سياسية معارضة للوجود السوري ولسلاح “حزب الله”، الذي بات عنوان انقسام أهلي وسياسي منذ ذلك التاريخ. 

تهمة اغتيال الحريري نفاها نصرالله وسخر منها، لكن هذه الجريمة أحدثت شرخاً أساسياً في العلاقات الأهلية اللبنانية. 

ازدادت قوة نصرالله في العام 2006 بعد حرب إسرائيل المدمرة على لبنان وبروز قدرات الحزب القتالية خلال المواجهة. صحيح أن البلد خرج مدمراً ومنهكاً لكن نجح “حزب الله” بقيادة نصرالله في تثبيت اسمه كفصيل قتالي منظم تمكّن من إيقاع خسارات لدى الإسرائيليين، وهذا ما سهل له إعلان نتيجة الحرب التي خاضها لـ٣٣ يوماً بوصفها “نصراً إلهياً”. 

رسخت حرب جويلية عام 2006 موقع نصرالله كأحد أبرز وجوه محور الممانعة؛ إن لم يكن أبرزها على الإطلاق، وباتت له حاضنة شعبية تمتد من المغرب حتى العراق. وهو تقدم في سلم الأهمية في المحور على رؤساء دول مثل بشار الأسد وزعيم مثل عبد الملك الحوثي.

هذه الشعبية الواسعة استثمرها داخلياً في تطوير قدرات حزبه العسكرية بدعم إيراني سخي، وأيضاً من خلال مد نفوذ الحزب في مختلف قنوات السلطة في لبنان. 

نصرالله وضع قواعد واضحة للاشتباك مع إسرائيل التي كرر مسؤولوها أنهم يتحسبون لـ”عدوهم”. فكانوا يُسهبون في تحليل تصريحاته ومواقفه وخطواته، ومن محاولات الاختراق والتجسس لمعرفة تحركاته ونشاطاته، وكان دائماً على قائمة الاستهداف. 

ما يُسمى بمعادلة الردع التي كرستها حروب إسرائيل ضد لبنان و”حزب الله” قضت بالاحتفاظ بقواعد اشتباك واضحة تتجنب المدن والعواصم. 

ومع تراجع دور المواجهة العسكرية بعد حرب عام 2006 بات “حزب الله” أكثر انشغالاً بالملفات الداخلية، فشرع ينسج تحالفات وعلاقات على قاعدة ذهبية واحدة، الحليف هو من لا يمس بسلاح المقاومة ومن يتحالف مع محورها. 

على هذه القاعدة كان التحالف التاريخي ل”حزب الله” ونصرالله تحديداً مع “التيار الوطني الحرّ” الذي كان لسنوات طويلة رافعة الحزب في البيئة المسيحية وشريكه في السياسة والحكم، إلى أن تصدعت هذه العلاقة في السنوات الأخيرة. 

في سياق تصاعد “فائض القوة” تكرر استخدام السلاح داخلياً، ولعل أبرز محطات ذلك كان في ماي عام 2008، حيث اجتاح “حزب الله” بيروت وعدّة مناطق لبنانية بذريعة رفض المساس بشبكة الاتصالات الخاصة به. كرست تلك المحطة مزيداً من النفوذ للحزب ومزيداً من الانقسام الأهلي الطائفي والشعور بالغبن عند مجموعات لبنانية عدة. 

منذ ذلك التاريخ ولاحقاً في مرحلة الانتفاضات والثورات العربية عام 2011، ومع انخراط “حزب الله” بشكل مباشر في دعم النظام السوري لقمع الانتفاضة الشعبية ضده، التي استمرت لسنوات تراجعت صورة نصرالله بشكل واسع عربياً، وبات بالنسبة إلى كثيرين رمزاً طائفياً مسانداً لوجوه الاستبداد في دمشق وطهران. إلى أن استعاد بعضاً منها بعد حرب غزة وإعلانه ما أسماه “حرب الإسناد”.

“حزب الله” والسياسة اللبنانية

تضاعف نفوذ نصرالله في الداخل اللبناني في العقد الأخير خصوصاً مع تسلّم حليفه “التيار الوطني الحر” وتحديداً ميشال عون الرئاسة والسلطة. بات اسمه محل تجاذب سياسي كبير خصوصاً في محطات سياسية كبرى مثل الانهيار المالي والمصرفي عام 2019 وتفجير مرفأ بيروت عام 2020. 

في 7 أكتوبر ومع إطلاق حركة “حماس” هجمات “طوفان الأقصى” انخرط حزب الله بقرار من نصرالله يوم 8 أكتوبر بحرب أسماها “إسناد غزة”. هذه الجبهة وعلى قدر ما أثارت نقداً داخلياً وانقساماً لبنانياً، لكنها أعادت الاعتبار لصورة نصرالله بوصفه الزعيم الداعم لأهل غزة والمواجه لإسرائيل. 

وإسرائيل التي يتصدرها اليمين المتطرف لم تستند إلى “قواعد الاشتباك” التي كانت سائدة بينها وبين “حزب الله”، التي ربما اعتقد نصرالله أنها ما زالت قائمة. كان واضحاً أن بنيامين نتنياهو يحضر ضربة ل”حزب الله” ولبنان على غرار حرب الإبادة التي ترتكبها إسرائيل في غزة. 

تصاعد استهداف إسرائيل ل”حزب الله” تباعاً من خلال اختراقات واسعة وصولاً إلى مساء الجمعة 27 سبتمبر حين وقع نتنياهو قراراً عسكرياً بضرب الضاحية الجنوبية بأطنان من القنابل الخارقة للتحصينات في العمق، من دون اكتراث بأرواح عشرات المدنيين الذين كانوا في حارة حريك. 

أتت التعليمة بأن نصرالله في اجتماع أسفل المبنى، فلم يرف جفن نتنياهو في قصف نصرالله والمباني ومن بها فاستحالت ركاماً.