شقق في دبي ومونتريال ونيويورك، يخت فاخر صممه الإيطالي أندريا باسيغالوبو، لوحات فنية وألماس، سفر على متن طائرات خاصة وإيجارات باهظة في أرقى أحياء لندن. تفضح حياة البذخ التي يعيشها فريد، ابن شقيق وزير الخارجية الجزائري السابق محمد بجاوي ، وعائلته، ثروته التي عمل على إخفائها قبل ظهور فضائح شركة سوناطراك الجزائرية للنفط والغاز، منذ عام 2009 والمطاردة التي أطلقتها العدالة الجزائرية والإيطالية ضده.
يكشف تحقيق “أوراق باندورا” الذي أداره الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين (ICIJ) الذي ينتمي إليه ” توالى” عن جزء من هذه الثروة الخفية لفريد بجاوي، جزء فشلت التحقيقات القضائية في الكشف عنه.
و يعتبر فريد بجاوي من أهم المستفيدين من عهد الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة في الجزائر، خاصة خلال عهدتيه الأولى و الثانية. كما أن العدالة الجزائرية تباطأت في النظر في قضيته خلال العهدتين التاليتين رغم فتح تحقيق بشأن بجاوي الذي ازدهرت ثروته في جميع أنحاء العالم بفضل قربه من وزير الطاقة والمناجم السابق، المطلوب أيضًا من قبل العدالة الجزائرية، شكيب خليل. هذا الأخير، كما أشار المحققون في مكتب المدعي العام في ميلانو، يعتبره ” ابنه الروحي”.
فقد جمع فريد بجاوي ثروة طائلة من خلال استثماره لأموال سوناطراك، وهو الذي كان شريكا لشقيقه رضا في شركة صغيرة لتجارة المواد الغذائية في كندا أين هاجرت العائلة في التسعينيات، وهي شركة كانت بالكاد توفر لهم نفقات المعيشة – أفاد رضا عن دخل سنوي قدره 75000 دولار كندي -.
بدأ الارتقاء عام 2004، عندما أمر شكيب خليل باستثمار ما يقارب المليار دولار من أموال سوناطراك في شركة ريان لإدارة الأصول، التي أنشأها فريد بجاوي في دبي والتي كانت موزعًا لصناديق الاستثمار الأمريكية” راسل” في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منذ عام 2002. و تم تعزيز هذه الثروة من خلال عقود أخرى، ما دفع فريد بجاوي إلى خلق شبكة شائكة من الشركات غير المقيمة من أجل توزيع العمولات في إطار وساطته مع سوناطراك.
و لم يتمكن القضاة الإيطاليون، الذين عملوا على العقود التي حصلت عليها شركة ” سايبام” ، وهي شركة تابعة للعملاق الطاقوي ” إيني”، من سوناطراك الجزائرية ، من مصادرة هذه الأموال على الرغم من الجهود المبذولة في الكشف عن الحيل التي سمحت له بأخذ عمولات و الكشف عن العديد من الشركات الوهمية التي كان يستعملها كغطاء لحساباته البنكية.
بينما أكدت أوراق بنما نتائج التحقيق القضائي الإيطالي، تمت تبرئة فريد في نهاية المطاف في يناير 2020 بعد الطعن في الحكم بالسجن الذي صدر في حقه عن المحكمة الابتدائية. إذ قام بتحريك تلك الأموال عدة مرات، مواكبة للفضائح والتحقيقات الصحفية، قبل أن يضعها في صناديق ائتمانية.
صندوق “يوغي”
وضع فريد بجاوي الصناديق الائتمانية في قلب ترتيباته المالية، فهي هيكل قانوني يسمح لك بالتصرف في ثروتك دون أن تكون مالكها رسميًا. و يمكن أن تحتوي على صناديق ائتمانية أخرى أو تنشئ شركات باسمها، ما يجعلها مبهمة بالنسبة لإدارة الضرائب أو العدالة اللتان لا تملكان القدرة على متابعة تفاصيل هذه الترتيبات المالية، ويعقد مصادرة الأصول التي تشكلها.
ببساطة، صندوق الائتمان هو شركة يجمع فيها الشخص سندات ملكية ممتلكاته. يعهد هذا الشخص ، المسمى ” المستوطن” (المؤسس) ، بالشركة إلى ” وصي“، مع تعليمات للاستخدام. غالبًا ما يكون الوصي بنكًا أو شركة لإدارة الأصول مما يضمن استثمار الأصول المعهود بها. يتضمن هذا الترتيب أحيانًا شخصًا ثالثًا، طبيعيًا أو قانونيًا، يسمى ” الحامي” وله سلطة فصل الوصي. يعين المؤسس ومدير أمواله مستفيدًا واحدًا أو أكثر. من الناحية النظرية، تبقى الأمانة في يد الوصي الذي يحافظ عليها، ولكن محتواها متاح للمستفيد الذي قد يكون المؤسس نفسه، أو زوجته، أو أطفاله، أو إخوته، أو أبناء أخيه، أو أبناء أخته ، إلخ.
وفقًا للوثائق التي تمكنا من الاطلاع عليها في إطار تحقيق “أوراق باندورا”، فإن صندوق الائتمان الرئيسي لفريد بجاوي، وهو مؤسسة يوغي تراست، يحمل الجنسية النيوزيلندية. كان هذا الصندوق يُدار من طرف هيكل فارغ موطن في هونغ كونغ اسمه ” ياسمين ليميتد” تم تسجيله في 10 جوان 2011 من قبل شركة آسياسيتي (Asiasicti) عبر فرع بنك سنغافورة في هونغ كونغ وتم حلها في عام 2013. و قدرت الأصول التي جمعها فريد بجاوي في هذا الصندوق ب 18.5 مليون دولار أمريكي في 2013.
و أثارت شركة ياسمين غير المقيمة اهتمام شرطة هونغ كونغ في أعقاب فضيحة سوناطراك في إيطاليا. و ذكر أحد وكلاء مكتب آسياسيتي في سنغافورة، و هو المسؤول عن ضوابط مكافحة غسيل الأموال، في مذكرة بعث بها إلى مقر آسياسيتي أن ” ياسمين ليميتد” لم تكن مستهدفة من قبل قضاة التحقيق الإيطاليين، لكنه لم يخف مخاوفه حيال الأمر.
و كتب في مذكرته: ” لم تكشف مراجعة نشاط الحساب أي معاملات تتعلق بالشركات قيد التحقيق من قبل مكتب المدعي العام في ميلانو. وعلى الرغم من أننا لم نجد أي معاملات مشبوهة، ونظرًا لطبيعة تحقيق شرطة هونغ كونغ والتقارير الإعلامية الأخيرة، ارتأينا أنه من المناسب لفت انتباهكم إلى هذه المسألة “.وقال أيضا أن حساب فريد بجاوي في سنغافورة قد تم تمويله من دخول أعمال الشركة الإماراتية ريان لإدارة الأصول وحسابات شخصية أخرى موطنة في بنوك أوروبية كبرى.
رضا بجاوي كواجهة لنفسه
وفقًا لوثائق يوغي تراست ، فإن الأصول التي عهد بها فريد بجاوي كانت لصالح فريد بجاوي نفسه – مؤسس الصندوق – وكذلك عائلته. ومع ذلك ، فإن الأصول الموضوعة في هذا الصندوق لا تظهر في أملاك فريد أو في ممتلكات المستفيدين الآخرين.
فريد بجاوي هو أيضًا المستفيد الاقتصادي من شركة وهمية مسجلة في ساموا تسمى ” ايكون غلوبال كابيتول ليميتد” (Icon Global Capital Ltd.). قامت هذه الشركة في عامي 2011 و 2012 على التوالي بتحويل 16.5 مليون دولار لصالح زوجته رانيا دلول ومساعده الشخصي سيباستيان دودو وتحويل 6.9 مليون دولار لفريد نفسه. و وصفت آسياسيتي هذه التحويلات بأنها عمليات تسديد قروض يمكن للسلطات الضريبية إعادة تصنيفها بسهولة كدخول.
كان فريد بجاوي أيضًا يدفع فواتير أخيه رضا مقابل استخدام يخته ” ماكيرا” المملوك لشركة ” لونغسون كابيتول انكربورايشن” (Longson Capital Inc) والذي يعد المستفيد الاقتصادي الأخير من أصولها. صُمم اليخت من طرف الإيطالي اندريا باسيغالوبو وتم تسليمه من ايطاليوت (Italyachs) في عام 2010 مقابل17 مليون دولار أمريكي. وتم دفع تكاليف استخدامه لصالح رضا بجاوي من قبل فريد عبر شركته غير المقيمة ” جاتواي هولدينغ كوربورايشن” (Jetway Holding Corp). وهكذا حددت آسياسيتي ثلاثة فواتير وهمية مبلغها الإجمالي أكثر من 220 ألف دولار أمريكي.
لقد فضح الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين بالفعل هذه المناورات، في نوفمبر 2017، من خلال الكشف عن ” وثائق برادايز” التي تناثرت فيها العديد من أسماء رؤساء الدول وغيرهم من المشاهير والأثرياء بما في ذلك رضا بجاوي، شقيق فريد وفي نفس الوقت ” المؤسس” و ” الحامي” في العديد من الصناديق الائتمانية التي تستفيد منها العائلة. فقد أنشأت ” أبليبي” (Appleby)، وهي شركة لتسيير الأصول المالية كانت في قلب هذه الفضيحة المعروفة باسم ” وثائق برادايز“، فروعًا في عشرات الملاذات الضريبية للسماح لأوصياء زبائنها بشراء و إخفاء ممتلكات بموجب النظام الضريبي لتلك الملاذات.
تقدم أوراق باندورا معلومات جديدة بشأن صندوق ائتمان رضا بجاوي ” رادباد هولدينغ ليميتد” (Redbed Holdings Pte Ltd)، الذي تديره شركة غير مقيمة أخرى اسمها ” ايديلتون انترناسيونال اس ا” (Idelton International SA)، وتحتوي على صناديق ائتمانية صغيرة أخرى يستفيد منها هو وعائلته. أجرى ” رادباد” الذي جمع أصولًا بلغت حوالي 8 ملايين دولار في عام 2013، منها 4.7 مليون دولار أودعها شقيقه فريد بجاوي بين عامي 2011 و 2012، عدة تحويلات إلى حسابات إماراتية لرضا بجاوي جزء منها موطن في بنك ” ميرابو” (Mirabaud). و لقد حددنا حوالي عشرة تحويلات تتراوح ما بين 100.000 و 400.000 دولار أمريكي.
تم استخدام هذا الصندوق أيضًا كأداة استثمارية لشراء شقة بأكثر من 2.6 مليون دولار أمريكي. وهكذا وضع رضا بجاوي نفسه كموظف واجهة لصندوق الائتمان خاصته. و تعطي اتفاقية موظف الواجهة الخاصة برضا الحق في إدارة واستخدام هذا العقار الواقع في شيربروك في مونتريال دون أن يكون المالك رسميًا.
مغالاة خليل
في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن يوغي و رادباد ليست الصناديق الائتمانية الوحيدة التي جُمعت فيها الأصول العائدة لبجاوي. نذكر على سبيل المثال ” لياما تروست” (Layama Trust)، الذي أنشأه فريد ووضع أصوله في البنك الصيني الخارجي (OCBC Bank) و كذلك صندوق نامور (Namour). يستفيد من لياما كل من رياض بجاوي، ماريون آدم دي فيلييه، مايا بجاوي، لارا بجاوي وإيما بجاوي. لم نتمكن من تحديد قيمة الأصول المجمعة معًا في هذا الصندوق. أما نمور، فقد تم تشكيله في جويلية 2010 من قبل رضا بجاوي، وهو المؤسس و الحامي في نفس الوقت لصالح أبنائه: باسم ومالك رضا وجان ليلى.
باختصار، يدين فريد بجاوي و اخوته الذين يتمتعون بالجنسية الثلاثية الجزائرية والفرنسية والكندية بالأصول التي جمعوها في صناديق ائتمانية بمنأى عن المحاكم الجزائرية والإيطالية التي حققت في تورط فريد، أكبر أبناء أخ رئيس المجلس الدستوري السابق (2002-2005) ووزير الخارجية (2005-2007)، محمد بجاوي، لقربهم من السياسيين النافذين في عهد الرئيس الراحل بوتفليقة.
و جاء في تقرير المحكمة الجنائية الفيدرالية السويسرية في 14 يناير 2015، بناء على طلب جزائري للمساعدة القانونية، أن ” دور الوسيط الذي لعبه فريد بجاوي في مخطط الرشوة (…) يكون قد فرضه الوزير خليل على سايبم. (…). و تمكن قضاة جزائريون من الكشف عن تحويلات استفادت منها نجاة عرفات، زوجة شكيب خليل “.
تحدث وزير الطاقة والمناجم السابق شكيب خليل على هامش أعمال المجلس الشعبي الوطني، في مايو 2010 ، قبل أيام قليلة من إقالته في أعقاب فضيحة سوناطراك، ردا على سؤال حول استثمار قرابة مليار دولار عبر شركة فريد بجاوي ريان لإدارة الأصول الموزع الإقليمي لشركة راسل، و لم يتردد في تضخيم نتائج هذا الاستثمار.
وقال خليل إن ذلك مكن الشركة من تحقيق ربح قارب 600 مليون دولار:” لقد حققنا مكاسب قدرها 600 مليون دولار من هذا الاستثمار. لقد ربحنا ما يقرب من 60٪ من هذه الأموال وقد تم إرجاعها “. إلا أن الأرقام المتعلقة بهذا الاستثمار الذي تم من خلال فريد بجاوي والذي أداره صندوق ” راسل” بشكل مباشر، تكذب هذه التصريحات. وتشير هذه الأرقام إلى أن محفظة سوناطراك قد راكمت أرباحا بنسبة 20.8٪ من “تاريخ التأسيس” في الأول من أفريل 2004 حتى نهاية عام 2009. أي ما يزيد قليلاً عن 200 مليون دولار في المجموع في خمس سنوات وليس 600.
لم تمنع نتائج هذا الاستثمار إقالة الوزير شكيب خليل فقد أصبح عائقا أما الرئيس بوتفليقة و زمرته. وقوبلت محاولة بوتفليقة لرد الاعتبار له عام 2016 باستياء شعبي كبير. أما بالنسبة لعائلة بجاوي، فقد استمرت في مراكمة الأصول المالية والتمتع بها.