20 عاماً والموظف الحكومي في وزارة التربية العراقية باقر الحلفي يسكن مع عائلته المكونة من 8 أشخاص في بيت قديم لا تزيد مساحته عن 80 متراً مربعاً. هو واحد من عشرات آلاف البيوت المتشابهة تصميماً وبناءً في مدينة الصدر التي حملت اسمها تخليداً لأحد أبرز الزعماء الدينيين الشيعة في العراق والذي يملك نجله مقتدى الصدر أكبر كتلة برلمانية، كما حظيت المدينة بوزارات عدة في الحكومات السابقة.
كل ما في بيت العائلة الواقع في قطاع (22) يشير إلى عسر الحال، غرفتان صغيرتان بأثاث بسيط يتقاسمه أفراد العائلة الذين حالت الصعوبات المعيشية وغلاء أسعار العقارات في العاصمة بغداد، دون تحقيق حلمهم في الحصول على مسكن مناسب، فالأوضاع حولت منازل المنطقة إلى بيوت صغيرة لا تتعدى مساحة الواحد منها الـ100 متر، ويضم غالباً أكثر من عائلة واحدة. وهو ما يُشعر الحلفي بالعجز أمام أطفاله، فهو المعيل الوحيد ولا يملك أي حل.
وتقع مدينة الصدر في شرق العاصمة العراقية بغداد، يسكنها وفق تقديرات غير رسمية حوالى 4 ملايين شخص على مساحة تشكل إدارياً 2 بالمئة من مجمل مساحة العاصمة، إنما تضم 26 بالمئة من سكان العاصمة.
“أحياء تغفو على الفقر والحرمان وسيل من الأزمات الاجتماعية، نتيجة تعدد الزيجات وكثرة الولادات وضعف الخدمات وقلة فرص العمل وضعف التعليم وندرة مشاريع التطوير والتنمية منذ تأسيسها قبل نصف قرن واستقطابها مئات آلاف العائلات الوافدة من جنوب البلاد ومعها تقاليدها العشائرية”، كما يقول عضو مجلس النواب السابق عن مدينة الصدر، علاء الربيعي.
ويضيف الربيعي “كان من المفروض أن تكون أحياء المدينة جزءاً طبيعياً ضمن مساق التغيير العمراني والتطوير الخدماتي الذي كان يجب أن يشمل مختلف محافظات البلاد، لكن بقيت آمال التطوير والتنمية وتحسين الخدمات معلقة بلائحة الوعود التي لم تجد طريقها للتنفيذ”.
يعود تاريخ إنشاء مدينة الصدر إلى ستينيات القرن الماضي، يوم قرر رئيس الحكومة العراقية آنذاك عبد الكريم قاسم إنشاءها وتوطين الفلاحين والمزارعين من مختلف مدن الجنوب للعيش فيها، والتخلص من نظام الإقطاع الذي كان سائداً حينها.
عرفت المدينة التي أشرفت على إنشائها وزيرة البلديات آنذاك نزيهة الدليمي باسم “الثورة” تيمناً بانطلاق ثورة 1958 التي أنهت النظام الملكي في العراق، وسرعان ما تغير اسمها الى “حي الرافدين” في عهد الرئيس عبد السلام عارف، ثم تحوّل اسمها إلى “مدينة صدام” في عهد الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، وبقيت كذلك حتى عام 2003، ليطلق عليها سكانها تسمية “مدينة الصدر” نسبة إلى المرجع الشيعي محمد صادق الصدر الذي اغتيل عام 1999، ويدين معظم سكان أحياء المدينة بالولاء له ولنجله مقتدى الصدر في الوقت الحاضر.
بعد الاجتياح الأميركي، تحولت المدينة إلى معقل لميليشيات “جيش المهدي”، الذراع العسكرية لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، ليخوض الكثير من شبانها صراعين في آن واحد، أحدهما مع القوات الأميركية وثانيهما في الحرب الطائفية التي اندلعت في العراق، بعد تفجير ضريح الإمامين علي الهادي والحسن العسكري في مدينة سامراء في شباط/ فبراير 2006، وما تلى ذلك من هجمات بسيارات مفخخة وأحزمة ناسفة، راح ضحيتها المئات من سكان المدينة.
وعود كبيرة وخدمات بائسة
بعد نيسان/ أبريل 2003 تأمل أهالي مدينة الصدر بنظام الحكم الجديد وبالقادة والمسؤولين الجدد الذين عاشوا في مدينتهم أو أمضوا سنوات فيها أو كان جل أتباعهم منها، لكن سنوات الصراع الطائفي وبعدها الحرب ضد “داعش”، والتي حصدت آلافاً من أبنائها، ومعها تفشي الفساد في النخبة الجديدة الحاكمة بددت أحلام إطلاق مشاريع الإعمار وتحسين الخدمات.
وذهبت أدراج الرياح وعود أمين العاصمة الأسبق صابر العيساوي، الذي كان أعلن عام 2010 عن مشروع سكني عملاق بخدمات مميزة سماه 10×10، قال عنه في حينها إنه سيبنى خارج حدود مدينة الصدر، دون إزالة أي قطاع سكني من قطاعات المدينة المكتظة بالسكان.
كان المشروع يضم في مرحلته الأولى إنشاء 82 ألف وحدة سكنية على أرض مساحتها 14 كلم2 شرق مدينة الصدر، بـ”أحدث المواصفات وأفضل البنى التحتية والخدماتية لتساهم في تطوير مدينة بغداد وتحسين نسيجها الحضري إلى جانب توفير سكن عصري لأبناء مدينة الصدر”، كما كان يُروج للمشروع، فضلاً عن أنه سيضم “مدينة طبية وجامعة ومدارس ورياض أطفال وملاعب ومنشآت رياضية ومراكز تجارية”.
تقول عضوة لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية السابقة، ندى شاكر، “المشروع الذي عرض حينها إعلامياً لأبناء المدينة كمشروع خلاص لمشاكلهم، ونوقش في مئات الاجتماعات والندوات والحوارات، بقي حبراً على ورق ولم ينفذ منه أي شيء”.
وقالت إن تخصيصات وضع التصاميم وجهود اللجان الفنية واجتماعاتها في الداخل والخارج، “ذهبت أدراج الرياح، واكتشفنا أنه كان مجرد وهم وعلى أهالي المدينة القبول بواقع أن يعيشوا ويموتوا في كتل كونكريتية صغيرة محشورة ومتداخلة، بلا حدائق أو جامعات أو منشآت صحية وتعليمية حديثة أو مساحات ترفيه”.
وسط الاكتظاظ السكاني وسوء الخدمات ومعدلات البطالة المرتفعة، تتربص بمدينة الصدر فوضى أمنية ومعارك عشائرية وتمرد دائم على دوائر القرار وسيل من المشكلات الاجتماعية، التي لم تنجح محاولات الحكومات المتعاقبة في معالجتها.
يقول جليل عبدالحسن، وهو مهندس مدني تخرج في تسعينيات القرن الماضي ويقيم بالمدينة، إن “تعدد المشكلات وتراكمات القبلية كانت دائماً أقوى من محاولات التغيير والتطوير، ومعها كبرت أزمات المدينة شيئاً فشيئاً وباتت عصية على الحل، وظل الطامحون بواقع أفضل فيها يمنون النفس بوعود الحكومات، لكن سرعان ما تصطدم بواقع تراكم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والعشائرية”.
ويربط عبد الحسن فشل معظم مشاريع التطوير الصغيرة، إلى جانب عدم انطلاق مشاريع الاعمار والتطوير الكبرى بـ”الفساد الذي تسبب بإضاعة نسبة كبيرة من التخصيصات، مع عجز الدولة عن المحاسبة والسيطرة على التجاوزات، فظلت قضية تطوير المدينة بعيدة المنال”.
بطالة وفقر وسلاح وأزمات
تكاد تنعدم المساحات الخضر والمتنزهات الترفيهية في مدينة الصدر، برغم الزحام الكبير وصغر مساحة المساكن فيها، كما يقول توفيق الفرطوسي أحد سكانها “معدل مساحات المنازل غالباً صغير ودون الـ100 متر مربع، لذا تجد البناء العمودي مع انعدام مساحات التشجير، ولا توجد متنزهات ومساحات خضر عامة تعوض ذلك النقص”.
في جولة ميدانية لمعد التقرير، يظهر أن المتنفس الوحيد لشباب المدينة هي ملاعب كرة القدم الصغيرة المعروفة باسم ملاعب الخماسي، الى جانب المقاهي الشعبية التي تنتشر بنحو كبير في الأسواق وداخل بعض الأحياء.
قليلون من مدينة الصدر، يمتهنون أعمالاً حرة أو يعملون في الدوائر الحكومية، فكثيرون لم يحصلوا على تعليم عال نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشونها، وفقاً للخبير الاقتصادي صفوان قصي.
ويعتقد قصي أن الحكومة العراقية فشلت في توفير الحلول لمعالجة مشكلتي الفقر والبطالة في مدينة الصدر بنحو خاص، كما في غالبية مدن جنوب البلاد بسبب “مافيات الفساد والسلاح المتفلت، التي تحول دون استقطاب الشركات الاستثمارية لإنشاء مشاريع تمتص بعضاً من البطالة المتفشية أو إعادة تشغيل المعامل والمصانع المعطلة”.
وعن مخاطر ذلك يقول إن “البطالة والفقر يؤديان الى تزايد معدلات الجريمة وارتفاع حالات التفكك الأسري وتفشي تعاطي الحبوب المخدرة بما تحمله من مشكلات وتداعيات”.
ويشير كثر من السكان إلى مشكلة انتشار السلاح في المدينة واللجوء إليه في الكثير من الحالات لتصفية الخلافات بين الأهالي بدل اللجوء الى القانون، وهو ما يوقع اشتباكات شبه يومية.
يقول شناوة العكيلي أحد شيوخ العشائر في مدينة الصدر، إن المدينة “تشهد انفلاتاً أمنياً نتيجة انتشار الأسلحة وتعدد مصادرها مع تنوع الولاءات الحزبية لدى ساكنيها، حتى إن دوائر الدولة تعجز أحياناً عن تنفيذ خطط المشاريع أو تقديم خدمات بسبب الخوف من سطوة السلاح”.
ويوضح العكيلي، الذي سكنت عائلته مدينة الصدر آتية من أهوار الناصرية في ثمانينيات القرن المنصرم، أن المدينة تعاني من البطالة والفقر، وأن “انتشار المخدرات لا سيما بين الشباب، أدى إلى تزايد جرائم القتل العمد وسرقة المنازل والمحال التجارية”.
ونبه إلى أن انتشار سلاح الميليشيات والعشائر بشكل لافت يجعل الدولة عاجزة عن فرض سيطرتها وضبط الواقع الأمني ومواجهة الجرائم والأزمات.
في السياق ذاته، يقول علي الحجامي (37 سنة) أحد سكان المدينة، “لا يكاد يمر أسبوع دون أن نسمع عن حوادث إطلاق نار، عن تهديد أو محاولات قتل أو حتى استعراض بالسلاح، الأمر بات عادياً ولم يعد أحد يستطيع السيطرة على الفوضى والتجاوزات”.
أزمات “أونلاين”
للوصول إلى تصور تقريبي وجرد بأبرز المشكلات التي تواجه مدينة الصدر، رصد معد التقرير للفترة بين 1 أيار/ مايو 2022 حتى 20 من الشهر ذاته، أبرز المشكلات التي تعاني منها المدينة من خلال متابعة حساب معروف على “فيسبوك”، هو “قناص المدينة”، الذي يتابعه أكثر من 245 ألف شخص ويأخذ على عاتقه توثيق كل ما يحصل داخل مدينة الصدر.
خلال فترة الرصد هذه، تطرق الحساب إلى 162 مشكلة مرتبطة بتوفير الخدمات في المدينة وجميعها وثقت بمقاطع فيديو، حول تفشي ظاهرة تربية المواشي داخل الأزقة والأحياء، والتجاوز على الأرصفة والطرق، وطفح مياه الصرف ، والشوارع غير المعبدة، وهشاشة البنى التحتية الخاصة بشبكات الصرف الصحي.
كما تم رصد 117 مشكلة أمنية تنوعت بين تفشي ظاهرة تجارة المخدرات عبر عصابات تمارس عملها علناً داخل المدينة، وتصاعد الجريمة المنظمة والنزاعات المسلحة بين العشائر، على رغم مضي ثلاث سنوات على قرار القضاء باعتبار ما يعرف بـ”الدكات العشائرية”، فعلاً إرهابياً بموجب قانون مكافحة الإرهاب.
و”الدكة” عمل يتلخص بتهديد أفراد من عشيرة معينة مواطن من عشيرة أخرى، من خلال إطلاقات نارية على منزله، في محاولة للوي ذراعه أو الوصول إلى تسوية. وفي حال عدم موافقة الطرف المستهدف، تتطور الأمور إلى اشتباكات تؤدي إلى وقوع ضحايا من الطرفين.
كما عرضت صفحة “قناص المدينة” عشرات المشكلات الاجتماعية بينها 43 مقطع فيديو، تتناول قضايا كالطلاق والصراعات العائلية. كما وثق محرر الصفحة تداعيات قضايا سياسية ووجه دعوات لنواب التيار الصدري عن المدينة إلى التحرك ومتابعة ملف إعمارها وتوفير الخدمات فيها.
أمام ذلك الواقع يصف بعض أبناء المدينة من النخب المثقفة حال مدينتهم بـأنها “مقبرة للأحياء”. يقول كامل المياحي، وهو أستاذ جامعي يقطن المدينة، إن “كل ما يتم تداوله من فوضى أمنية وضعف الخدمات وتفاقم الأزمات الاجتماعية، هو واقعي، ولا يمكن نكرانه بأي شكل من الأشكال”.
ويرجع ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي إلى ولادة جيل جديد سئم من واقعه المزري، وبدأ ينتفض عليه عبر كشف الحقائق ومواضع الخلل والفساد الذي يستهدف الأموال المخصصة للتطوير والإعمار، وفقاً لما ذكر.
في المقابل، يبدي رئيس المجلس البلدي السابق في مدينة الصدر كامل خنجر، تخوّفه من اندلاع احتجاجات شعبية لا تستطيع حتى الحكومة احتواءها، منتقداً ما يصفه بالوضع الكارثي الذي تعانيه المدينة “نتيجة انعدام البنى التحتية والخدمات”.
ويطالب خنجر الحكومة بالاستجابة العاجلة وتخصيص مبالغ كافية للشروع بحملة خدمات كبرى لإعمار المدينة و”تعزيز الأمن فيها والسيطرة على النزاعات العشائرية المتكررة التي تعطل المشاريع الخدماتية”.
مدينة الصدر خزان انتخابي
يصف البعض، مدينة الصدر بملايينها الأربعة، بأنها خزانٌ انتخابيٌ للقوى الشيعية، خاصة التيار الصدري الذي يستحوذ مرشحوه عادة على معظم مقاعدها.
ولا يمكن إغفال تراجع عدد المقترعين في منطقة الرصافة التي تضم مدينة الصدر، في الانتخابات الأخيرة (تشرين الأول/ أكتوبر 2021) الى أقل من 30 في المئة، مقارنة بنسبة من صوتوا في انتخابات عام 2018 والتي بلغت 33 في المئة.
ولم يؤثر تراجع التصويت في حصة التيار الصدري من مقاعد المدينة، فمن نحو نصف المقاعد المخصصة للعاصمة بغداد (69 مقعداً) التي حصدها التيار جاءت الغالبية من مدينة الصدر (21 مقعداً في الرصافة، بينما حصل على 6 في الكرخ) فيما فاز الائتلاف في كل مناطق البلاد بـ73 مقعداً، قبل أن يقدم نواب تلك الكتلة الكبيرة التي معظم أعضائها يمثلون المدينة استقالاتهم في 12 حزيران/ يونيو، نزولاً عند قرار السيد مقتدى الصدر بالانسحاب من العمل السياسي، “لأنه لا يريد المشاركة في حكومة وبرلمان من الفاسدين”، وبعد فشل التيار في تشكيل “حكومة اغلبية تقدم الخدمات وتحقق الإصلاح” كما وعد جمهوره.
العدد الكبير من المقاعد التي اعتاد أن يفوز بها التيار في مدينة الصدر، وحتى مشاركته القوية في الحكومات الثلاث الاخيرة عبر وزارات خدمية، وقائع لم تنعكس على تطوير وضع المدينة الخدماتي والاقتصادي والاجتماعي.
وينحدر من مدينة الصدر، النائب الأول لرئيس مجلس النواب حاكم الزاملي (قدم استقالته)، إضافة إلى رئيس اللجنة المالية النيابية حسن الكعبي (قدم استقالته) المعنية بتوزيع التخصيصات المالية، وهما كانا من أبرز المسؤولين في البرلمان ويرسمان فعلياً توجهاته.
وتقول ندى شاكر عضوة لجنة الاقتصاد السابقة، إن “واقع مدينة الصدر يشبه واقع المدن الجنوبية التي تعاني من أعلى معدلات الفقر والبطالة… علينا ألا ننسى أن هذه المدن الغارقة في الأزمات يصعب التكهن بحركة الناس فيها، فأبناؤها كانوا وراء إطلاق احتجاجات 2019 التي أسقطت حكومة عادل عبد المهدي، وطالبت بتغيير الطبقة السياسية”.
أين ذهبت التخصيصات؟
عام 2021 خصص مجلس النواب 25 مليار دينار (17 مليون دولار) من موازنة محافظة بغداد، عدا تخصيصات الوزارات وتنمية الأقاليم، في قانون الموازنة الاتحادية، لإعمار مدينة الصدر.
لكن المواطن لم يشعر بتغير ملموس في واقع الحال وسط اتهامات بأن “حلقات الفساد المتعلقة بالإحالات وسوء التنفيذ تبتلع التخصيصات”، يقول كاظم حسين وهو صاحب محل تجاري في وسط المدينة. ويضيف “ذكر لي ابني وهو موظف في دائرة خدمية بأن الصفقات أكبر من كل رقابة”.
وغالباً ما يتحول ملف إعمار المدينة إلى مادة للخلاف السياسي والإداري، ففي الوقت الذي وعد فيه أمين بغداد السابق علاء معن (أقيل في أيار/ مايو 2022) بتنفيذ 60 مشروعاً لتطوير المدينة ضمن مشروع “نهضة بغداد”، بعد وصول التخصيصات المالية اللازمة لها ضمن موازنة تنمية الأقاليم. وأعلن عن قرب تطوير أكثر من 50 قطاعاً وعدد من الشوارع الرئيسة بالاعتماد على الإيرادات الذاتية لأمانة بغداد، ذكر عادل الساعدي مدير بلدية الصدر الأولى بأن مبالغ حملة الاعمار التي أوعز رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، دعم بلدية مدينة الصدر الأولى والثانية بها لم تصل منها في العام 2021 سوى 40 في المئة.
وأوضح الساعدي أن الحملة العمرانية كانت تتضمن “إعمار الأرصفة وزراعة أشجار وإعمار 22 قطاعاً من قطاعات المدينة واستحداث خطوط جديدة للصرف الصحي وتطوير الشوارع الرئيسة”.
حال المدينة العمراني وفشل تنفيذ المشاريع، دفعا بالنائب الأول لرئيس البرلمان حاكم الزاملي لمطالبة رئيس الحكومة، بسحب يد أمين بغداد لعدم تنفيذه ما طلب منه في ما يخص مشروع إعمار مدينة الصدر. كما طالب أمانة بغداد بتقديم الكشوفات والبيانات المالية والتعاقدية لمجلس النواب لتدقيقها، وبطرح رؤية خدماتية شاملة للنهوض بواقع مدينة الصدر وتأطيرها بجدول زمني محدد، مهدداً باستجواب المعنيين في الأمانة تحت قبة البرلمان.
لا يمكن السكوت طويلاً…
ينبه باحثون إلى أن استمرار فشل مشاريع تطوير مدينة الصدر وتعمق أزماتها الاقتصادية والاجتماعية، سيدفع بشبابها إلى ميادين الاحتجاج.
يلفت الباحث عبد الرضا الساعدي، إلى أن مدينة الصدر بهيكلية بنائها وتصميمها الحالي وطبيعة شبكات خدماتها لا تنتمي إلى العالم الحديث، مشيراً إلى أن سكانها في بعض الأحيان يفشلون في إنقاذ مرضاهم داخل المستشفيات، بسبب انقطاع الكهرباء أو ضعف المستلزمات.
وبنبرة يغلب عليها الانكسار، يتابع الساعدي: “استغلت أحزاب السلطة بشعاراتها وخطاباتها مشاعر الفقراء طوال نحو عقدين من الزمن وحققت عبرهم طموحاتها السياسية، وتركتهم أسرى الواقع المؤلم”.
في حزيران 2021، أعلن مكتب رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي عن الاتفاق مع أعضاء لجنة الأمر الديواني (57) على المضي “بتنفيذ مشروع إعمار مدينة الصدر، وتوفير فرص عمل وخدمات اجتماعية وبنى تحتية مستدامة بعيداً من الحسابات السياسية الضيقة”.
“المشروع الجديد” لإنقاذ مدينة الصدر من أزماتها السكانية والخدماتية والصحية والاجتماعية، والذي تقدر قيمته بأكثر من 7 مليارات دولار ويفترض تنفيذه عبر الاتفاقية الصينية (اتفاق تعاون مشترك بين العراق والصين)، يتضمن بناء 92 ألف وحدة سكنية مع منشآت خدماتية حديثة.
لكن الخبير الاقتصادي قصي صفوان يشكك في إمكانية إنجاز شيء على الأرض في ظل الفساد والبيروقراطية وشركات الأحزاب غير المؤهلة التي يقول إنها تستحوذ على المشاريع وتتلكأ في إنجازها أو تتركها بعد أن تحصل على تخصيصاتها الكبيرة.
ويتساءل عما تم تنفيذه في المشروع الجديد منذ اعلانه قبل أكثر من عام، مؤكداً أنه ما زال حبراً على ورق.
يخشى الموظف الصغير باقر الحلفي، مثل كثيرين من أبناء المدينة البسطاء، أن يكون مصير المشروع الجديد كسابقه (10x 10) الذي أعلن مجلس الوزراء في 2014 عن الغائه ونقل المبالغ المالية المخصصة له والمقدرة بأربعة تريليونات و765 مليار دينار، إلى مشروع بناء دور سكنية للفقراء المشمولين بتوزيع قطع الأراضي السكنية.
يقول الحلفي “شهدنا ثلاث حكومات، كلها تحدثت عن مشاريع كبرى لتغيير حياتنا نحو الأفضل، لكن لم يتحقق شيء على الأرض… كل ما أحلم به هو بيت أو شقة صغيرة تخرج عائلتي من دوامة أزمات هذه المدينة وبنيتها الخدماتية التي لا تصلح للعيش”.
أنجز التقرير بدعم من شبكة نيريج للصحافة الاستقصائية