جار التحميل ...

رصاصة واحدة في رأس شيرين أبو عاقلة… وفي رأسنا

الجندي القناص أراد قتل القصة، لا سيما أنها بصوت شيرين تصل إلينا على نحو أوضح. بصوتها القصة تختصر بأن لسنا سوى أمام احتلال وأمام ضحية.


رصاصة واحدة، لكن في الرأس، قتلت شيرين أبو عاقلة، عندنا كانت تغطي وقائع اقتحام جنود الاحتلال الإسرائيلي لمخيم جنين للاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية، كما وأصيب مراسل صحيفة القدس علي السمودي، برصاصة واحدة أيضاً في الظهر. إنها قصة قتل معلن، وإننا حيال قناص يطلق رصاصة واحدة، لا حيال إصابة ناجمة عن اشتباك راح ضحيته صحافيون كانوا يغطون الحدث. الرصاصة الواحدة في الرأس تنطوي على تصميم وعلى قرار بالقتل، وعلى مخيم لا يرغب الجنود بأن ينقل الصحافيون مشاهد اقتحامهم له.

شيرين أبو عاقلة، الزميلة صاحبة الصوت الهادئ التي لطالما حولت القصة اليومية الفلسطينية مع الاحتلال إلى حكاية تخرج نسمعها بصوت الفلسطيني العادي الأقل ضجيجاً والأكثر اقناعاً. الأرجح أن الجندي عندما سدد بندقيته كان يستهدف ما يمكن أن يجره صوت شيرين، ذاك أننا حيال هذا الصوت لسنا أمام مواجهة بين طرفين، انما بين جندي مسلح وفلسطيني أعزل، تماماً مثلما كانت شيرين أمام قاتلها.

الاحتلال في جنين عار من أي ادعاء. المدينة والمخيم محتلان بالكامل، وإسرائيل التي تحاصر المخيم، تريده كما هو، وتريد اشتباكاً على مداخله، والمساحات الاستيطانية التي قضمت أكثر من ثلث مساحة الضفة الغربية تحتاج لكي تتمدد إلى مخيم محاصر ومدينة منتهكة. هناك تماماً قتلوا شيرين ابنة القدس، أي على خط التمدد الاستيطاني. وهم لم يخطئوا، فالزميلة كانت ترتدي سترة صحافية، وكانت بحسب زميلها المصاب، وهو قال إنهما كانا في موقع من المفترض أنه آمناً، وأن الرصاصتين اللتين أصابتهما أطلقتا في غير وجهة الاشتباك الذي كانا يغطيانه.

شيرين أبو عاقلة ليست خسارة من خساراتنا اليومية. القصة الفلسطينية فقدت صوتاً لطالما تمكن من ربطنا بما يجري هناك. ونحن، خارج فلسطين، اذ نعيش في حروب وانهيارات موازية، أعاد قتلها تذكيرنا بأن ثمة قصة فلسطينية، وهناك من يسعى لإيصالها، وهناك أيضاً من يسعى لقتلها.

قناة “الجزيرة” أعلنت أن مراسلتها قتلت اغتيالاً، لكن الأصح أن شيرين قتلت عمداً، وقاتلها لم يخف وجهه على نحو ما يفعل من يقدم على الاغتيال. شيرين التي لا نعرفها سوى من صوتها ومن قصتها اليومية عن فلسطين لم تكن مشتبكة مع الجندي القاتل، بل كانت بصدد تصوير قصتها عنه. الجندي القناص أراد قتل القصة، لا سيما أنها بصوت شيرين تصل إلينا على نحو أوضح. بصوتها القصة تختصر بأن لسنا سوى أمام احتلال وأمام ضحية.

ثم أن قتل شيرين ليس حدثاً منزوعاً من سياق تشعر فيه حكومة اليمين في إسرائيل أنها أمام فرصة الانقضاض الأخير على ما تبقى من “ السلام ”. ضم القدس وقضم الضفة الغربية يقتضيان إسكات ما تبقى من أصوات. فرئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت قالها بالفم الملآن: “ إسرائيل هي الطرف السيادي الوحيد في القدس… والقدس الموحدة هي عاصمة إسرائيل ”.

وبينت قال ذلك لأنه يشعر أن أحداً من العرب وغير العرب لن يقف بوجهه، تماماً مثلما شعر الجندي القناص أن بإمكانه أن يقتل شيرين، وأن أحداً لن يحاسبه، في زمن الحروب الأهلية العربية، وفي زمن اتفاقات ابراهام، وفي زمن الانقسام الفلسطيني. وشيرين التي رفضت أن تغادر الى الولايات المتحدة على نحو ما فعل أهلها هرباً من الاحتلال يحمل قتلها اليوم مترافقاً مع قرار ضم القدس معان ترتبط بخطوة الانقضاض الأخيرة على المدينة وأهلها.

شيرين أبو عاقلة ليست خسارة من خساراتنا اليومية. القصة الفلسطينية فقدت صوتاً لطالما تمكن من ربطنا بما يجري هناك. ونحن، خارج فلسطين، اذ نعيش في حروب وانهيارات موازية، أعاد قتلها تذكيرنا بأن ثمة قصة فلسطينية، وهناك من يسعى لإيصالها، وهناك أيضاً من يسعى لقتلها.