جار التحميل ...

شمال سوريا: لم يكن شيء على هذه الأرض جاهزاً لاستقبال الزلزال!

استهدف الزلزال مجتمعاً يعيش ما يقارب نصف سكّانه في المخيّمات العشوائية، في حين يعيش النصف الآخر مهجّراً عن مدينته الأصلية أو عائداً إلى منزله المتصدّع بفعل القصف.


في مدينة أعزاز في ريف حلب، لم تجرؤ عائلة فؤاد حتّى الآن على العودة إلى منزلها، فالأخبار عن زلازل وهزّات ارتدادية ما زالت تتوالى، فواصلت الأسرة الجلوس لساعات في إحدى ساحات المدينة منذ وقوع الزلزال المدمّر في جنوب تركيا.

وحتّى كتابة هذه السطور، لا تزال الهزّات الأرضية الارتدادية تتوالى تباعاً داخل المنازل في محافظات شمال سوريا وشمال غربها، وجنوب تركيا ووسطها، بعد الزلزال المدمّر الذي وقع فجر الإثنين (6 شباط/ فبراير)، وخلّف آلاف الوفيات والجرحى.

إنّه يومٌ مأساويٌّ جديد، يضاف إلى مآسي السوريين سواء تلك التي كانت بفعل البشر على مدار الأعوام الـ12 الفائتة، أو حتّى تلك العائدة إلى أسباب طبيعية، تبدو المشاهد كلها مألوفة للسوريين، مبانٍ دمّرها الزلزال، تحوّلت إلى أنقاضٍ بجانب أنقاضٍ أخرى كان سببها القصف الجوّي سابقاً في تلك المناطق الهشّة، والمدمّرة أصلاً.

هذه المناطق تعاني بطبيعة الحال من أوضاعٍ مأساوية، على رأسها هشاشة القطاع الطبّي، وشبه غياب لمقدرات الاستجابة الطارئة في حالاتٍ مثل هذه، باستثناء المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، والتي تضم منظّمات لديها خبرة في رفع الأنقاض مثل الدفاع المدني السوري، الذي أعلن أن مناطق شمال غربي سوريا التي تسيطر عليها المعارضة، باتت منكوبة بسبب تواضع طاقة المتطوّعين أمام حجم الكارثة.

فؤاد من سكّان ريف دمشق، عاش مشاهد انهيار المباني بفعل القصف، ووجد الأنقاض وعايش لحظات إخراج العالقين تحتها خلال أيام القصف الجوي على ريف دمشق، يبدو مشهد الزلزال مألوفاً ،وما يلحقه من دمار بدا أيضاً مألوفاً له ولبقية أفراد أسرته، لكن بعدما نجت أسرته من كل تفاصيل الحرب وأهوالها، لا يريد الرجل المغامرة والعودة إلى المنزل، فهو يقول إنّه ليس متأكداً من أن الخطر زال مع الهزّات الارتدادية، كما أنّه ليس متأكّداً من وضع المنزل المتهالك بعد الزلزال، والذي يعيش فيه مقابل إيجار رخيص.

استهدف الزلزال مجتمعاً يعيش ما يقارب نصف سكّانه في المخيّمات العشوائية، في حين يعيش النصف الآخر مهجّراً عن مدينته الأصلية أو عائداً إلى منزله المتصدّع بفعل القصف، ولكن يشترك الجميع هنا في أزمة الحصول على الرعاية الطبّية، فالكثير من النقاط الطبّية والمستشفيات أغلقت أبوابها في مناطق سيطرة المعارضة بسبب نقص التمويل، بعد ضغط روسيا دولياً لمنع هذه المناطق من استقبال المساعدات عن طريق المعابر، ما هدد القطاع الطبّي بالانهيار.

أمام الطاقات الحكومية التركية، والإمكانات الهائلة للتعامل مع مخلّفات هذه الفاجعة، تظهر الحال السورية نقيضاً، فالأرض التي ضربها الزلزال يسعى كل من يعيشون فيها إلى هجرتها، بسبب حالة البؤس والانعدام التي يعيشونها، لم يكن شيءٌ على هذه الأرض جاهزاً لاستقبال هذه الفاجعة.

بطبيعة الحال، لا يبدو أن لدى السلطات الموجودة في سوريا، بما في ذلك النظام والمعارضة، طاقاتٍ كافية للاستجابة لهذه الكارثة، فكلاهما منهكٌ بفعل الإغلاق العالمي، ودمار البنى التحتية أو تهالكها والضغط عليها بفعل الحرب المستمرّة، وبذلك يكون الجرحى أو حتّى من لديهم فرصة للخروج من تحت الأنقاض، الخاسر الوحيد.

ضرب الزلزال محافظات حلب وريفها، اللاذقية وريفها، حماة وريفها وإدلب وريفها، وخلّف مئات الضحايا والجرحى، علماً أن هذه الإحصاءات ليست نهائية، إذ يتم تحديثها باستمرار، وعلى رأس كل ساعة تصدر إحصائية جديدة يضاف إليها عشرات الوفيات ومئات الجرحى، لذلك يبدو أن الإحصاء النهائي سيشير إلى مئات القتلى وآلاف الجرحى.

تغصّ مواقع التواصل الاجتماعي السورية بمنشورات وتدوينات، إمّا تنعي ضحايا الزلزال، أو تطالب بتحرّك آليات الإنقاذ إلى مبنى محدّد لإخراج من بقوا أحياء تحته، أو تحاول البحث عن مفقودين لم يعُرف عنهم أي شيء حتّى الآن.

قال ثلاثة أشخاص يعيشون في مدينة عفرين، التي تعرّضت لدمارٍ واسع لـ”درج”: “إن فرق الإنقاذ باتت مضطرة للاختيار بين الأبنية التي لها الأولوية لانتشال الأنقاض وإنقاذ العالقين تحتها، استناداً إلى كمية البشر الذين يمكن إنقاذهم.

المشاهد ومقاطع الفيديو والصور الواردة، أقل ما يمكن وصفها بأنّها “صادمة”، جلّها لأحياءٍ ما زالوا تحت الأنقاض منذ وقوع الزلزال حتّى الآن. اعتاد الدفاع المدني السوري في مناطق المعارضة، على التعامل مع هذا النوع المعقّد من المهمات، غير أنّ القصف الجوّي يكون عادة على مبانٍ محدّدة وبشكلٍ متفرّق، ما يمكّن فرق “الخوذ البيض” من الاستجابة لغالبية الحالات، وإخراج الجرحى العالقين تحت المباني، ولكن طالما أن الدمار الآن جماعي، ويتوزّع في قرى ومدن مترامية الأطراف في مناطق عدّة، فإن الاستجابة للجميع تبدو مستحيلة.

“الدفاع المدني” أعلن أن مناطق شمال غربي سوريا كلّها منكوبة، قائلاً إن هذا الإعلان جاء “نتيجة للوضع الكارثي من انهيار المباني والتصدعات الحادة ومئات الإصابات والعالقين وعشرات القتلى، في ظل نقص الإمكانات والخدمات، وعدم توافر مراكز الإيواء ونقاط التجمع الآمنة، إضافة إلى ظروف الطقس العاصفة ودرجات الحرارة المنخفضة”.

وأوصى “الدفاع المدني” الجهات المحلية والقوى المدنية، باستنفار كوادرها، ودعا المنظمات الإنسانية الصحية والإغاثية العاملة في سوريا، إلى تقسيم العمل وفقاً لنظام التكافؤ وتوزيعها الجغرافي حرصاً على تغطية الاحتياجات الضرورية للجميع وفق المستطاع.

وفي تسجيلٍ صوتي بثّته وسائل إعلام سورية، دعا مدير الدفاع المدني رائد الصالح، إلى استعمال كل الأساليب الممكنة لإخبار جميع المدنيين بعدم العودة إلى منازلهم حتّى التأكد من أن الأبنية سليمة، لأن الزلزال خلّف أعداداً كبيرة من المباني الآيلة للسقوط، إضافةً إلى تلك التي دُمّرت بالفعل.

ودعا الصالح أيضاً كل من لديه أي نوع من الطاقات، مثل آليات أو جرافات أو أي شيء يمكن أن يساعد بإجلاء المدنيين، ليرسلها إلى مدن (أعزاز، عفرين، حارم، شرار، جنديرس، سرمدا، سلقين، شرار، مدينة إدلب، جسر الشغور، الرمادي، دركوش)، لأن جميع هذه المدن فيها أحياء ما زالوا عالقين تحت الأنقاض، مضيفاً أن “الوضع في غاية الخطورة”.

على الضفاف الأخرى، لا تبدو الاستجابة أفضل حالاً في مناطق النظام، الذي يتعامل بعشوائية مع مخلّفات الكارثة في مدن حلب وحماة واللاذقية، علماً أن تلك الأخيرة كانت أكبر المتضرّرين من الزلزال، بسبب اقترابها من البحر ومن منطقة الخطر الأولى. منذ أن سيطر النظام السوري على مدينة حلب وعاد السكّان إليها، لا تمر فترة إلا ومعها خبر سقوط بناءٍ متصدّع بسبب حملة القصف الروسية الشرسة حينها، ما جعل عدد المباني الآيلة للسقوط يزيد عن 10 آلاف مبنى في المدينة، والآن ربّما ضاعف الزلزال الرقم وتضاعفت معه المأساة


تنشر هذه المادة بالتعاون مع درج daraj.com في لبنان.