تُعد واتساب، المملوكة للعملاق الأمريكي ميتا، واحدة من أكثر تطبيقات المراسلة استخدامًا في الجزائر، حيث أصبحت جزءًا من الحياة اليومية لملايين المواطنين. في عام 2025، وفي سياق التوترات الجيوسياسية بين إسرائيل وإيران، أعادت اتهامات نُشرت على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي إثارة المخاوف بشأن أمان هذا التطبيق، الذي يُشتبه في كونه عرضة للتجسس، مع احتمال استخدام بياناته من قبل حكومات أجنبية. هذه المخاوف، التي تضخّمت على الشبكات، تطرح سؤالًا محوريًا: هل اتصالاتنا على واتساب آمنة فعلًا؟ تتناول هذه المقالة الحقائق المتعلقة بثغرات واتساب، وأدوات التجسس مثل بيغاسوس، والتدابير الممكنة لحماية بياناتنا.
واتساب: تشفير قوي، لكن البيانات الوصفية مستغلة
تعتمد واتساب على التشفير التام بين الطرفين، وهي تقنية تؤمن الرسائل والصور والمكالمات بحيث لا يستطيع قراءتها إلا المرسل والمستلم. يعمل التشفير خزنة رقمية، حيث لا يملك مفتاحها سوى المتلقي. لكن رغم هذا، تجمع واتس اب بيانات وصفية (metadata)، وهي معلومات حول الاتصالات دون محتواها، مثل رقم الهاتف، توقيت الإرسال والاستلام، الأشخاص الذين يتفاعل معهم المستخدم، الانضمام إلى المجموعات، والموقع الجغرافي إذا كان مفعلًا. وفقًا سياسة الخصوصية لاميتا، يمكن مشاركة هذه البيانات مع السلطات القضائية عند الطلب. وفي الجزائر، حيث تُعتبر سرية الاتصالات أولوية، تمثل هذه الممارسات مخاطرة، خاصة مع اعتمادنا الكبير على تقنيات أجنبية.
بيغاسوس: تهديد حقيقي ومُوجه للمستخدمين الجزائريين
بيغاسوس هو برنامج تجسس طوّرته شركة NSO الإسرائيلية، يستغل ثغرات غير معروفة (zero-day) في تطبيقات مثل واتساب وأنظمة التشغيل مثل iOS وأندرويد. بعد التثبيت، يمكنه الوصول إلى الرسائل حتى وإن كانت مشفّرة، وإلى الصور، الفيديوهات، المكالمات، البريد الإلكتروني، كلمات المرور، الكاميرا، الميكروفون، والموقع. في عام 2019، أعلنت واتساب أن بيغاسوس استغل ثغرة في ميزة الاتصال الصوتي، حيث كان يكفي مكالمة فائتة لتثبيت البرنامج. وقد تم اختراق 1400 جهاز في 20 دولة. في عام 2022، كشفت منظمة العفو الدولية وForbidden Stories أن 50 جزائريًا استُهدفوا، من بينهم صحفيون ومدافعين عن حقوق الإنسان. وفي عام 2025، اتهمت ميتا شركة إسرائيلية أخرى، Paragon Solutions، باستهداف 90 مستخدمًا باستخدام ثغرات مماثلة. هذه البرمجيات، المتاحة في السوق السوداء الرقمية، تعرض المستخدمين الجزائريين لمخاطر حقيقية.
لافندر: عندما تُستغلّ البيانات الوصفية للقتل
Lavender هو نظام ذكاء اصطناعي استخدمه الجيش الإسرائيلي في غزة لتحديد أهداف بشرية. وفقًا لتقرير نُشر عام 2024، يقوم بجمع بيانات وصفية، بما في ذلك من مجموعات واتساب، لتصنيف الأفراد تلقائيًا المشتبه بهم، بهامش خطأ قدره 10٪، مما أدى إلى غارات جوية أودت بحياة مدنيين. في يونيو 2025، اتهمت إيران واتساب بتسريب بيانات لإسرائيل لأغراض اغتيال، وهو ما أُثير بقوة على منصة X. تُظهر هذه القضية مدى خطورة استخدام البيانات الوصفية في سياقات النزاع.
ميتا: بين التطمينات والثغرات المستمرة
تؤكد ميتا أن التشفير التام يحمي رسائل واتساب، تنفي مشاركتها الجماعية للبيانات مع الحكومات. في عام 2019، رفعت دعوى ضد NSO في أمريكا، وفي عام 2025 ضد Paragon Solutions. لكن الثغرات التي تُباع سرًا تسمح بتجاوز هذا التشفير. فبمجرد إصابة الجهاز، يمكن الوصول إلى الرسائل قبل أو بعد تشفيرها. رغم استثمار ميتا في كشف الثغرات، يبقى من الصعب ضمان الحماية الكاملة.
الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في الجزائر: اعتماد واسع وحاجة إلى الحذر
في 2025، يستخدم 36.2 مليون جزائري الإنترنت (76.9٪ من السكان)، مقابل 32 مليون في 2023. 27 مليون منهم ناشطون على الشبكات الاجتماعية. واتساب في المقدمة، يليه فيسبوك، يوتيوب، إنستغرام، وتيك توك. تجمع هذه المنصات بيانات وصفية كثيرة، مما يزيد من مخاطر التجسس والرقابة في ظل تخزين البيانات خارج الجزائر.
الجزائر تعزز ترسانتها القانونية لحماية البيانات
ينظم القانون 18-07 الصادر عام 2018 جمع واستخدام البيانات الشخصية تحت إشراف الهيئة الوطنية لحماية البيانات. يُلزم الشركات بالحصول على موافقة المستخدمين وتخزين البيانات داخل الجزائر. القانون الجديد 25-11 لسنة 2025 يعزز هذا الإطار، ويمنح الهيئة صلاحيات تفتيش مفاجئ، وتغريم الشركات حتى 10 ملايين دينار، مع إلزامية الاستضافة المحلية للبيانات.
تدابير عملية لحماية بياناتك
– تحديث التطبيقات لتصحيح الثغرات.
– عدم الضغط على روابط من مصادر غير معروفة.
– استخدام VPN مع تصريح في حال الاستعمال المهني.
– تفعيل التحقق بخطوتين، وتعطيل الموقع الجغرافي إن لم يكن ضروريًا.
– تجنب المجموعات المفتوحة أو التي تتناول مواضيع حساسة.
– استخدام تطبيقات مثل Signal أو Telegram، مع تحديثها باستمرار.
– مشاركة هذه النصائح مع الأسرة والزملاء.
خاتمة
قضية بيغاسوس وLavender وParagon والعديد من الثغرات الأخرى تذكّرنا بأن الأمن الرقمي في الجزائر ليس مضمونًا. القوانين 18-07 و25-11 تشكل أساسًا جيدًا، لكنها تتطلب وعيًا مجتمعيًا، وإرادة سياسية، وأدوات سيادية قوية. السيادة الرقمية ليست مجرد شعار، بل ضرورة استراتيجية وأمنية.
- https://elwatan-dz.com/le-premier-genocide-assiste-par-lintelligence-artificielle
- https://elwatan-dz.com/ali-kahlane-consultant-en-transformation-numerique-le-sentiment-de-securite-informatique-dans-nos-structures-est-trompeur
- https://care.dz/fr/espace-presse/letat-du-numerique-en-algerie-2025-art706